إنه قد يكون لأمر عائد إلى المزاج الجسماني، وقد يكون لأمر راجع إلى النفس:
فأما الأول، فإنما يكون من غلبة الأخلاط السوداوية وترمدها، وعدم صفاء الدم وكثرة كدرته وعكره، فإذا غلظ الدم وثخن غلظ الروح النفساني وثخن أيضا، لأنه متولد من الدم، فيحدث منه نوع مما يحدث لأصحاب الفطرة، من الاستيحاش والنبوة عن الناس وعدم الاستئناس والبشاشة، وصار صاحبه ذا جفاء وأخلاق غليظة، ويشبه أن يكون هذا سببا ماديا، فإن الذي يقوى في نفسي أن النفوس إن صحت وثبتت مختلفة بالذات.
وأما الراجع إلى النفس فأن يجتمع عندها أسقاط وأنصباء من قوى مختلفة مذمومة، نحو أن تكون القوة الغضبية عندها متوافرة، وينضاف إليها تصور الكمال في ذاتها و توهم النقصان في غيرها، فيعتقد أن حركات غيره واقعة على غير 6 الصواب، وأن الصواب ما توهمه.
وينضاف إلى ذلك قلة أدب النفس وعدم الضبط لها واستحقارها للغير، ويقل التوقير له، وينضاف إلى ذلك لجاج وضيق في النفس وحدة واستشاطة وقلة صبر عليه، فيتولد من مجموع هذه الأمور خلق دنى، وهو الغلظة والفظاظة والوعورة والبادرة المكروهة، وعدم حبه الناس، ولقاؤهم بالأذى وقلة المراقبة لهم، واستعمال القهر في جميع الأمور، وتناول الامر من السماء، وهو قادر على أن يتناوله من الأرض.
وهذا الخلق خارج عن الاعتدال، وداخل في حيز الجور، ولا ينبغي أن يسمى بأسماء المدح، وأعنى بذلك أن قوما يسمون هذا النوع من العنف والخلق الوعر رجولية، وشدة وشكيمة، ويذهبون به مذهب قوه النفس وشجاعتها، الذي هو بالحقيقة مدح. وشتان بين الخلقين، فإن صاحب هذا الخلق الذي ذممناه تصدر عنه أفعال كثيرة يجور فيها على نفسه ثم على إخوانه، على الأقرب فالأقرب من معامليه، حتى ينتهى إلى عبيده وحرمه، فيكون عليهم سوط عذاب، لا يقيلهم عثرة، ولا يرحم لهم عبرة، وإن كانوا برآء الذنوب، غير مجرمين ولا مكتسبي سوء، بل يتجرم عليهم، ويهيج من أدنى سبب يجد به طريقا إليهم،