بعمر أنه نسبه إلى أمر لم ينقله عنه ناقل، ولا ندد به صديق وعدو، وإنما أراد سهولة خلقه لا غير، وظن أن ذلك مما يفضي به إلى ضعف إن ولى أمر الأمة، لاعتقاده أن قوام هذا الامر إنما هو بالوعورة، بناء على ما قد ألفته نفسه، وطبعت عليه سجيته، والحال في أيام عثمان وأيام ولايته عليه السلام الامر، كالحال فيما تقدم، في أنه لم يظهر منه دعابة، ولا مزاح يسمى الانسان لأجله ذا دعابة ولعب. ومن تأمل كتب السير عرف صدق هذا القول، وعرف أن عمرو بن العاص أخذ كلمة عمر إذ لم يقصد بها العيب فجعلها عيبا، وزاد عليها أنه كثير اللعب، يعافس النساء ويمارسهن، وأنه صاحب هزل.
ولعمر الله لقد كان أبعد الناس من ذلك، وأي وقت كان يتسع لعلى عليه السلام حتى يكون فيه على هذه الصفات؟ فإن أزمانه كلها في العبادة والصلاة، والذكر والفتاوى والعلم، واختلاف الناس إليه في الاحكام وتفسير القرآن، ونهاره كله أو معظمه مشغول بالصوم، وليله كله أو معظمه مشغول بالصلاة. هذا في أيام سلمه، فأما أيام حربه فبالسيف الشهير، والسنان الطرير، وركوب الخيل، وقود الجيوش، ومباشرة الحروب.
ولقد صدق عليه السلام في قوله: (إنني ليمنعني من اللعب ذكر الموت)، ولكن الرجل الشريف النبيل، الذي لا يستطيع أعداؤه أن يذكروا له عيبا أو يعدوا عليه وصمة، لابد أن يحتالوا ويبذلوا جهدهم في تحصيل أمر ما وإن ضعف، يجعلونه عذرا لأنفسهم في ذمه، ويتوسلون به إلى أتباعهم في تحسينهم لهم مفارقته، والانحراف عنه، وما زال المشركون والمنافقون يصنعون لرسول الله صلى الله عليه وآله الموضوعات، ينسبون إليه ما قد برأه الله عنه من العيوب والمطاعن، في حياته وبعد وفاته إلى زماننا هذا، وما يزيده الله سبحانه إلا رفعة وعلوا فغير منكر أن يعيب عليا عليه السلام عمرو بن العاص وأمثاله من أعدائه، بما إذا تأمله المتأمل، علم أنهم باعتمادهم عليه وتعلقهم به، قد اجتهدوا في مدحه