أعلى أم لي؟ فإذا مت فلا تبكين على باكية، ولا يتبعني نائح، ولا تقربوا من قبري نارا، وشدوا على إزاري، فإني مخاصم، وشنوا على التراب شنا، فإن جنبي الأيمن ليس بأحق من جنبي الأيسر، ولا تجعلوا في قبري خشبة ولا حجرا، وإذا واريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها، أستأنس بكم (١) * * * فإن قلت: فما الذي يقوله أصحابك المعتزلة في عمرو بن العاص؟ قلت: إنهم يحكمون على كل من شهد صفين، بما يحكم به على الباغي الخارج على الإمام العادل، ومذهبهم في صاحب الكبيرة إذا لم يتب معلوم.
فإن قلت: أليس في هذه الأخبار ما يدل على توبته، نحو قوله: (ولا مستكبر بل مستغفر)، وقوله: (اللهم خذ منى حتى ترضى)، وقوله: (أمرت فعصيت، ونهيت فركبت).
وهذا اعتراف وندم، وهو معنى التوبة؟ قلت: إن قوله تعالى: ﴿وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الان﴾ (٢) يمنع من كون هذا توبة، وشروط التوبة وأركانها معلومة، وليس هذا الاعتراف والتأسف منها في شئ.
وقال شيخنا أبو عبد الله: أول من قال بالارجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص، كانا يزعمان أنه لا يضر مع الايمان معصية، ولذلك قال معاوية لمن قال له: حاربت من تعلم، وارتكبت ما تعلم، فقال: وثقت بقوله تعالى: ﴿إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾ (3).