وهذا عجيب طريف.
فنقول: إن النظام أخطأ عندنا في تعريضه بهذا الرجل خطأ قبيحا، وقال قولا منكرا، نستغفر الله له من عقابه، ونسأله عفوه عنه، وليست الرواية التي رواها عن الحسن وسؤاله لأبيه وجوابه له، بصحيحة ولا معروفة، والمشهور المعروف المنقول نقلا يكاد يبلغ درجة المتواتر من الاخبار، ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله في معنى الخوارج بأعيانهم وذكرهم بصفاتهم، وقوله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: (إنك مقاتلهم وقاتلهم، وإن المخدج (1) ذا الثدية منهم، وإنك ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين)، فجعلهم أصنافا ثلاثة حسب ما وقعت الحال عليه. وهذا من معجزات الرسول صلى الله عليه وآله، وإخباره عن الغيوب المفصلة. فما أعلم من أي كتاب نقل النظام هذه الرواية، ولا عن أي محدث رواها، ولقد كان رحمه الله تعالى بعيدا عن معرفة الاخبار والسير منصبا فكره، مجهدا نفسه في الأمور النظرية الدقيقة، كمسألة الجزء، ومداخلة الأجسام وغيرهما، ولم يكن الحديث والسير من فنونه ولا من علومه، ولا ريب أنه سمعها ممن لا يوثق بقوله، فنقلها كما سمعها.
فأما كونه عليه السلام كان ينظر تارة إلى السماء، وتارة إلى الأرض. وقوله:
(ما كذبت ولا كذبت)، فصحيح وموثوق بنقله، لاستقامته وشهرته وكثرة رواته، والوجه في ذلك أنه استبطأ وجود المخدج حيث طلبه في جملة القتلى، فلما طال الزمان، وأشفق من دخول شبهة على أصحابه لما كان قدمه إليهم من الاخبار قلق واهتم، وجعل يكرر قوله:
(ما كذبت ولا كذبت) أي ما كذبت على رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا كذبني رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أخبرني به.
فأما رفعه رأسه إلى السماء تارة، وإطراقه إلى الأرض أخرى، فإنه حيث كان يرفع