كالسافلين من بنى عم، وكالمولاة تموت من غير ولد ولا من يجرى مجراه، فيرثها مولاها ولا نسب بينها وبينه.
ثم أقسم أنه لم يأتهم اختيارا، ولكن المقادير ساقته إليهم سوقا، يعنى اضطرارا.
وصدق عليه السلام، لأنه لولا يوم الجمل لم يحتج إلى الخروج من المدينة إلى العراق، وإنما استنجد بأهل الكوفة على أهل البصرة، اضطرارا إليهم، لأنه لم يكن جيشه الحجازي وافيا بأهل البصرة الذين أصفقوا على حربه ونكث بيعته، ولم يكن خروجه عن المدينة وهي دار الهجرة ومفارقته لقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وقبر فاطمة عن إيثار ومحبة، ولكن الأحوال تحكم وتسوق الناس إلى ما لا يختارونه ابتداء.
وقد روى هذا الكلام على وجه آخر: (ما أتيتكم اختيارا، ولا جئت إليكم شوقا) بالشين المعجمة.
ثم قال: (بلغني أنكم تقولون يكذب)، وكان كثيرا ما يخبر عن الملاحم والكائنات ويومئ إلى أمور أخبره بها رسول الله صلى الله عليه وآله، فيقول المنافقون من أصحابه:
يكذب كما كان المنافقون الأولون في حياة رسول الله صلى الله وآله يقولون عنه: يكذب.
* * * وروى صاحب كتاب الغارات عن الأعمش، عن رجاله قال: خطب علي عليه السلام، فقال:
والله لو أمرتكم فجمعتم من خياركم مائة، ثم لو شئت لحدثتكم من غدوة إلى أن تغيب الشمس، لا أخبرتكم إلا حقا، ثم لتخرجن فلتزعمن أنى أكذب الناس وأفجرهم.
وقد روى صاحب هذا الكتاب وغيره من الرواة أنه قال:
إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قبله للايمان.