وذلك أن الفرزدق ورد المدينة، والأمير عليها عمر بن عبد العزيز، فأكرمه حمزة بن عبد الله بن الزبير وأعطاه، وقعد عنه عبد الله بن عمرو بن عفان وقصر به، فمدح الفرزدق حمزة بن عبد الله، وهجا عبد الله، فقال:
ما أنتم من هاشم في سرها * فاذهب إليك ولا بنى العوام قوم لهم شرف البطاح وأنتم * وضر البلاط موطئ الاقدام (1).
فلما تناشد الناس ذلك بعث إليه عمر بن عبد العزيز، فأمره أن يخرج عن المدينة، وقال له: إن وجدتك فيها بعد ثلاث عاقبتك، فقال الفرزدق: ما أراني إلا كثمود حين قيل لهم: (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام)، فقال جرير يهجوه:
نفاك الأغر ابن عبد العزيز * وحقك تنفى من المسجد وسميت نفسك أشقى ثمود * فقالوا ضللت ولم تهتد وقد أجلوا حين حل العذاب * ثلاث ليال إلى الموعد وجدنا الفرزدق بالموسمين خبيث المداخل والمشهد وحكى أبو عبيدة، قال: بينا نحن على أشراف الكوفة وقوف، إذ جاء أسماء بن خارجة الفزاري فوقف، وأقبل ابن مكعبر الضبي فوقف متنحيا عنه، فأخذ أسماء خاتما كان في يده، فصه فيروزج أزرق، فدفعه إلى غلامه، وأشار إليه أن يدفعه إلى ابن مكعبر، فأخذ ابن مكعبر شسع نعله، فربطه بالخاتم، وأعاده إلى أسماء، فتمازحا ولم يفهم أحد من الناس ما أرادا، أراد أسماء بن خارجة قول الشاعر:
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر * كذا كل ضبي من اللؤم أزرق.