شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ٢٢٠
كأني والله أنظر إلى فلافل شعره، ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه، فذكرت قول أبى ذؤيب:
فتنازلا وتواقفت خيلاهما * وكلاهما بطل اللقاء مخدع (١) وكفت الناس أعنة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين، فتكافحا بسيفيهما مليا من نهارهما، لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته، إلى أن لحظ العباس وهنا في درع الشامي، فأهوى إليه بيده، فهتكه إلى ثندوته (٢)، ثم عاد لمجاولته، وقد أصحر له (٣) مفتق الدرع، فضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح صدره، فخر الشامي لوجهه، وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض من تحتهم، وسما العباس في الناس، فإذا قائل يقول:
من ورائي: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء﴾ (4) فالتفت فإذا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لي: يا أبا الأغر، من المنازل لعدونا؟ قلت:
هذا ابن أخيكم، هذا العباس بن ربيعة، فقال: وإنه لهو! يا عباس ألم أنهك، وابن عباس أن تخلا بمراكزكما، وأن تباشرا حربا! قال: إن ذلك كان، قال: فما عدا مما بدا (5) قال: يا أمير المؤمنين، أفأدعى إلى البراز فلا أجيب! قال: نعم طاعة إمامك أولى من إجابة عدوك، ثم تغيظ واستطار حتى قلت: الساعة الساعة. ثم سكن وتطامن، ورفع يديه مبتهلا، فقال: اللهم اشكر للعباس مقامه، واغفر ذنبه، إني قد غفرت له، فاغفر له. قال: ولهف معاوية على عرار، وقال: متى ينتطح فحل لمثله أيطل دمه؟ لاها الله إذا! ألا رجل يشرى نفسه لله، يطلب بدم عرار! فانتدب له رجلان من لخم

(١) ديوان الهذليين ١: ١٨، ومخدع: مجرب، أي قد خدع مرة بعد مرة بعد أخرى حتى فهم وحذر.
(٢) الثندوة للرجل، بمثل الثدي للمرأة.
(٣) أصحر له: برز له في العراء، وأصله الخروج إلى الصحراء.
(٤) سورة التوبة ١٤ (5) سورة التوبة 14، 15.
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175