كأني والله أنظر إلى فلافل شعره، ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه، فذكرت قول أبى ذؤيب:
فتنازلا وتواقفت خيلاهما * وكلاهما بطل اللقاء مخدع (١) وكفت الناس أعنة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين، فتكافحا بسيفيهما مليا من نهارهما، لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته، إلى أن لحظ العباس وهنا في درع الشامي، فأهوى إليه بيده، فهتكه إلى ثندوته (٢)، ثم عاد لمجاولته، وقد أصحر له (٣) مفتق الدرع، فضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح صدره، فخر الشامي لوجهه، وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض من تحتهم، وسما العباس في الناس، فإذا قائل يقول:
من ورائي: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء﴾ (4) فالتفت فإذا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لي: يا أبا الأغر، من المنازل لعدونا؟ قلت:
هذا ابن أخيكم، هذا العباس بن ربيعة، فقال: وإنه لهو! يا عباس ألم أنهك، وابن عباس أن تخلا بمراكزكما، وأن تباشرا حربا! قال: إن ذلك كان، قال: فما عدا مما بدا (5) قال: يا أمير المؤمنين، أفأدعى إلى البراز فلا أجيب! قال: نعم طاعة إمامك أولى من إجابة عدوك، ثم تغيظ واستطار حتى قلت: الساعة الساعة. ثم سكن وتطامن، ورفع يديه مبتهلا، فقال: اللهم اشكر للعباس مقامه، واغفر ذنبه، إني قد غفرت له، فاغفر له. قال: ولهف معاوية على عرار، وقال: متى ينتطح فحل لمثله أيطل دمه؟ لاها الله إذا! ألا رجل يشرى نفسه لله، يطلب بدم عرار! فانتدب له رجلان من لخم