قيل: لا، لأنه تعالى قال: ﴿وفاكهة مما يتخيرون﴾ (1)، ولان من تدبر ترغيبات القرآن في الجنة والثواب، علم قطعا أن أهل الجنة غير مضطرين إلى أفعالهم، كما يضطر المرتعش إلى الرعشة.
إن قيل: فإذا كانوا غير مضطرين، فلم يمنعهم من وقوع القبيح منهم؟
قيل: لان الله تعالى قد خلق فيهم علما بأنهم متى حاولوا القبيح منعوا منه، وهذا يمنع من الاقدام على القبيح بطريق الالجاء.
ويمكن أيضا أن يعلمهم استغنائهم بالحسن عن القبيح، مع ما في القبيح من المضرة، فيكونون ملجئين إلى ألا يفعلوا القبيح.
فأما قوله عليه السلام: ((ولا ينجى بشئ كان لها) فمعناه أن أفعال المكلف التي يفعلها لأغراضه الدنيوية ليست طريقا إلى النجاة في الآخرة، كمن ينفق ماله رئاء الناس، وليست طرق النجاة إلا بأفعال البر التي يقصد فيها وجه الله تعالى لا غير وقد أوضح عليه السلام ذلك بقوله: (فما أخذوه منها لها أخرجوا منه، وحوسبوا عليه، وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه وأقاموا فيه).
فمثال الأول من يكتسب الأموال ويدخرها لملاذه. ومثال الثاني من يكسبها لينفقها في سبيل الخيرات و المعروف.
ثم قال عليه السلام: (وإنها عند ذوي العقول كفئ الظل...) إلى آخر الفصل، وإنما قال: (كفئ الظل) لان العرب تضيف الشئ إلى نفسه، قال تأبط شرا:
إذا حاص عينيه كرى النوم لم يزل له كالئ من قلب شيحان فاتك (2)