شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٤٣
قيل: لا، لأنه تعالى قال: ﴿وفاكهة مما يتخيرون﴾ (1)، ولان من تدبر ترغيبات القرآن في الجنة والثواب، علم قطعا أن أهل الجنة غير مضطرين إلى أفعالهم، كما يضطر المرتعش إلى الرعشة.
إن قيل: فإذا كانوا غير مضطرين، فلم يمنعهم من وقوع القبيح منهم؟
قيل: لان الله تعالى قد خلق فيهم علما بأنهم متى حاولوا القبيح منعوا منه، وهذا يمنع من الاقدام على القبيح بطريق الالجاء.
ويمكن أيضا أن يعلمهم استغنائهم بالحسن عن القبيح، مع ما في القبيح من المضرة، فيكونون ملجئين إلى ألا يفعلوا القبيح.
فأما قوله عليه السلام: ((ولا ينجى بشئ كان لها) فمعناه أن أفعال المكلف التي يفعلها لأغراضه الدنيوية ليست طريقا إلى النجاة في الآخرة، كمن ينفق ماله رئاء الناس، وليست طرق النجاة إلا بأفعال البر التي يقصد فيها وجه الله تعالى لا غير وقد أوضح عليه السلام ذلك بقوله: (فما أخذوه منها لها أخرجوا منه، وحوسبوا عليه، وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه وأقاموا فيه).
فمثال الأول من يكتسب الأموال ويدخرها لملاذه. ومثال الثاني من يكسبها لينفقها في سبيل الخيرات و المعروف.
ثم قال عليه السلام: (وإنها عند ذوي العقول كفئ الظل...) إلى آخر الفصل، وإنما قال: (كفئ الظل) لان العرب تضيف الشئ إلى نفسه، قال تأبط شرا:
إذا حاص عينيه كرى النوم لم يزل له كالئ من قلب شيحان فاتك (2)

(١) سورة الواقعة ٢٠ (2) حماسة أبى تمام - بشرح التبريزي 1: 94. حاص خاط، ويروى: (إذا خاط عينيه). والكرى:
النوم الخفيف. والشيحان: الحازم، مثل الشائح والشيح والفاتك: الذي يفاجئ غيره بمكروه أو قتل.
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175