ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا، وإذا رأيت الناس في الخير فقاسمهم فيه، (1) وإذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم عليه.
البقاء (2) هاهنا قليل، والبقاء هناك طويل، أمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أمتكم، وقد أسرع بخياركم فما تنتظرون (3)؟ المعاينة! فكأن قد. هيهات هيهات، ذهبت الدنيا بحاليها (4) وبقيت الأعمال قلائد في الأعناق، فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة! ألا إنه لا أمة بعد أمتكم، ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتاب بعد كتابكم. أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم، وإنما ينتظر (5) بأولكم أن يلحق آخركم. من رأى محمدا صلوات الله وسلامه عليه، فقد رآه غاديا رائحا، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة. رفع له علم فسما إليه، فالوحي الوحي، النجاء النجاء! على ماذا تعرجون! (6 ذهب أماثلكم وأنتم ترذلون (7) كل يوم، فما تنتظرون 6)!
إن الله بعث محمدا على علم منه، اختاره لنفسه، وبعثه برسالته، وأنزل إليه كتابه، وكان صفوته من خلقه، ورسوله إلى عباده، ثم وضعه من الدنيا موضعا ينظر إليه أهل الأرض، فآتاه فيها قوتا وبلغة، ثم قال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (8)، فركن أقوام إلى غير عيشته، وسخطوا ما رضى له ربه، فأبعدهم وأسحقهم.
يا بن آدم، طئ الأرض بقدمك، فإنها عن قليل قبرك، واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، رحم الله امرأ نظر فتفكر، وتفكر فاعتبر، واعتبر