شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٤٨
ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا، وإذا رأيت الناس في الخير فقاسمهم فيه، (1) وإذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم عليه.
البقاء (2) هاهنا قليل، والبقاء هناك طويل، أمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أمتكم، وقد أسرع بخياركم فما تنتظرون (3)؟ المعاينة! فكأن قد. هيهات هيهات، ذهبت الدنيا بحاليها (4) وبقيت الأعمال قلائد في الأعناق، فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة! ألا إنه لا أمة بعد أمتكم، ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتاب بعد كتابكم. أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم، وإنما ينتظر (5) بأولكم أن يلحق آخركم. من رأى محمدا صلوات الله وسلامه عليه، فقد رآه غاديا رائحا، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة. رفع له علم فسما إليه، فالوحي الوحي، النجاء النجاء! على ماذا تعرجون! (6 ذهب أماثلكم وأنتم ترذلون (7) كل يوم، فما تنتظرون 6)!
إن الله بعث محمدا على علم منه، اختاره لنفسه، وبعثه برسالته، وأنزل إليه كتابه، وكان صفوته من خلقه، ورسوله إلى عباده، ثم وضعه من الدنيا موضعا ينظر إليه أهل الأرض، فآتاه فيها قوتا وبلغة، ثم قال: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (8)، فركن أقوام إلى غير عيشته، وسخطوا ما رضى له ربه، فأبعدهم وأسحقهم.
يا بن آدم، طئ الأرض بقدمك، فإنها عن قليل قبرك، واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، رحم الله امرأ نظر فتفكر، وتفكر فاعتبر، واعتبر

(1) البيان: (فأنافسهم).
(2) البيان: (الثواء).
(3) ب: (فلا تنتظرون المعاينة)، وما أثبته من ج والبيان والتبيين.
(4) بحاليها، أي حالتي الخير والشر.
(5) البيان: (وإنما ينتظر بأولكم).
(6 - 6) البيان: (أتيتم ورب الكعبة، قد أسرع بخياركم، وأنتم كل يوم ترذلون فماذا تنتظرون).
(7) ترذلون: تصيرون رذلاء (8) سورة الأحزاب 21
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175