إن قيل: هذا الجواب ينبئ على أن معارف أهل الآخرة ضرورية، لأنكم أجبتم عن مسألة الشكر، بأن الله تعالى يفعل المعارف في أهل الجنة، فدللوا على ذلك، بل يجب عليكم أن تدللوا أولا على أن أهل الآخرة يعرفون الله تعالى.
قيل: أما الدليل على أنهم يعرفونه تعالى، فإن المثاب لا بد أن يعلم وصول الثواب إليه على الوجه الذي استحقه، ولا يصح ذلك إلا مع المعرفة بالله تعالى، ليعلم أن ما فعله به هو الذي لمستحقه، والقول في المعاقب كالقول في المثاب.
وأيضا فإن من شرط الثواب مقارنة التعظيم والتبجيل له من فاعل الثواب، لان تعظيم غير فاعل الثواب لا يؤثر، والتعظيم لا يعلم إلا مع العلم بالقصد إلى التعظيم، ويستحيل أن يعلموا قصده تعالى، ولا يعلموه، والقول في العقاب وكون الاستحقاق والإهانة تقارنه تجرى هذا المجرى.
فأما بيان أن هذه المعرفة ضرورية، فلأنها لو كانت من فعلهم، لكانت إما أن تقع عن نظر يتحرون فيه، ويلجؤون إليه أو عن تذكر نظر، أو بأن يلجئوا إلى نفس المعرفة من غير تقدم نظر، والأول باطل، لان ذلك تكليف وفيه مشقة وقد بينا سقوط التكليف في الآخرة. ولا يجوز أن يلجئوا إلى النظر لأنهم لو ألجئوا إلى النظر لكان ألجأهم إلى المعرفة أولا، وإلجاؤهم إلى المعرفة يمنع من إلجائهم إلى النظر، ولا يجوز وقوعها عند تذكر النظر، لان المتذكر للنظر يعرض له الشبه، ويلزمه دفعها، وفى ذلك عود الامر إلى التكليف، وليس معاينة الآيات بمانع عن وقوع الشبه، كما لم تمنع معاينة المعجزات والاعلام عن وقوعها، ولا يجوز أن يكون الالجاء إلى المعرفة، لان الالجاء إلى أفعال القلوب لا يصح إلا من الله تعالى، فيجب أن يكون الملجأ إلى المعرفة عارفا بهذه القضية وفى ذلك استغناؤه بتقدم هذه المعرفة على الالجاء إليها.
إن قيل: إذا قلتم إنهم مضطرون إلى المعارف، فهل تقولون إنهم مضطرون إلى الافعال؟