شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٤٢
إن قيل: هذا الجواب ينبئ على أن معارف أهل الآخرة ضرورية، لأنكم أجبتم عن مسألة الشكر، بأن الله تعالى يفعل المعارف في أهل الجنة، فدللوا على ذلك، بل يجب عليكم أن تدللوا أولا على أن أهل الآخرة يعرفون الله تعالى.
قيل: أما الدليل على أنهم يعرفونه تعالى، فإن المثاب لا بد أن يعلم وصول الثواب إليه على الوجه الذي استحقه، ولا يصح ذلك إلا مع المعرفة بالله تعالى، ليعلم أن ما فعله به هو الذي لمستحقه، والقول في المعاقب كالقول في المثاب.
وأيضا فإن من شرط الثواب مقارنة التعظيم والتبجيل له من فاعل الثواب، لان تعظيم غير فاعل الثواب لا يؤثر، والتعظيم لا يعلم إلا مع العلم بالقصد إلى التعظيم، ويستحيل أن يعلموا قصده تعالى، ولا يعلموه، والقول في العقاب وكون الاستحقاق والإهانة تقارنه تجرى هذا المجرى.
فأما بيان أن هذه المعرفة ضرورية، فلأنها لو كانت من فعلهم، لكانت إما أن تقع عن نظر يتحرون فيه، ويلجؤون إليه أو عن تذكر نظر، أو بأن يلجئوا إلى نفس المعرفة من غير تقدم نظر، والأول باطل، لان ذلك تكليف وفيه مشقة وقد بينا سقوط التكليف في الآخرة. ولا يجوز أن يلجئوا إلى النظر لأنهم لو ألجئوا إلى النظر لكان ألجأهم إلى المعرفة أولا، وإلجاؤهم إلى المعرفة يمنع من إلجائهم إلى النظر، ولا يجوز وقوعها عند تذكر النظر، لان المتذكر للنظر يعرض له الشبه، ويلزمه دفعها، وفى ذلك عود الامر إلى التكليف، وليس معاينة الآيات بمانع عن وقوع الشبه، كما لم تمنع معاينة المعجزات والاعلام عن وقوعها، ولا يجوز أن يكون الالجاء إلى المعرفة، لان الالجاء إلى أفعال القلوب لا يصح إلا من الله تعالى، فيجب أن يكون الملجأ إلى المعرفة عارفا بهذه القضية وفى ذلك استغناؤه بتقدم هذه المعرفة على الالجاء إليها.
إن قيل: إذا قلتم إنهم مضطرون إلى المعارف، فهل تقولون إنهم مضطرون إلى الافعال؟
(١٤٢)
مفاتيح البحث: الشكر (1)، المنع (1)، الجواز (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175