لأجل تكاليفهم في الآخرة، وأما المعاقبون فلو كانوا مكلفين لجاز وقوع التوبة منهم، وسقوط العقاب بها، وهذا معلوم فساده ضرورة من دين الرسول عليه السلام.
وهاهنا اعتراضان:
أحدهما: أن يقال: فما قولكم في قوله تعالى: ﴿كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم﴾ (1) وهذا أمر وخطاب لأهل الجنة، والامر تكليف؟
والثاني: أن الاجماع حاصل على أن أهل الجنة يشكرون الله تعالى، والشكر عبادة، وذلك يستدعى استحقاق الثواب.
والجواب عن الأول أن قوله: (كلوا واشربوا) عند شيخنا أبى على رحمه الله تعالى ليس بأمر على الحقيقة، وإن كانت له صورته، كما في قوله تعالى: (كونوا حجارة أو حديدا) (2).
وأما الشيخ أبو هاشم فعنده أن قوله: (كلوا واشربوا) أمر، لكنه زائد في سرور أهل الجنة، إذا علموا أن الله تعالى أراد منهم الاكل وأمرهم به، ولكنه ليس بتكليف، لان الامر إنما يكون تكليفا إذا انضمت إليه المشقة.
وأما الجواب عن الثاني، فإن الشكر الذي بالقلب رجوعه إلى الاعتقادات، والله تعالى يفعل في أهل الجنة المعارف كلها، فلا وجوب إذا عليهم، وأما الشكر باللسان فيجوز أن يكون لهم فيه لذة، فيكون بذلك غير مناف للثواب الحاصل لهم.
وبهذا الوجه نجيب عن قول من يقول: أليس زبانية النار يعالجون أهل العذاب في جهنم، أعاذنا الله منها؟ وهل هذا إلا محض تكليف! لأنا نقول إنه يجوز أن يكون للزبانية في ذلك لذة عظيمة، فلا يثبت التكليف معها، كما لا يكون الانسان مكلفا في الدنيا بما يخلص إليه شهوته، ولا مشقة عليه فيه.