شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٤١
لأجل تكاليفهم في الآخرة، وأما المعاقبون فلو كانوا مكلفين لجاز وقوع التوبة منهم، وسقوط العقاب بها، وهذا معلوم فساده ضرورة من دين الرسول عليه السلام.
وهاهنا اعتراضان:
أحدهما: أن يقال: فما قولكم في قوله تعالى: ﴿كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم﴾ (1) وهذا أمر وخطاب لأهل الجنة، والامر تكليف؟
والثاني: أن الاجماع حاصل على أن أهل الجنة يشكرون الله تعالى، والشكر عبادة، وذلك يستدعى استحقاق الثواب.
والجواب عن الأول أن قوله: (كلوا واشربوا) عند شيخنا أبى على رحمه الله تعالى ليس بأمر على الحقيقة، وإن كانت له صورته، كما في قوله تعالى: (كونوا حجارة أو حديدا) (2).
وأما الشيخ أبو هاشم فعنده أن قوله: (كلوا واشربوا) أمر، لكنه زائد في سرور أهل الجنة، إذا علموا أن الله تعالى أراد منهم الاكل وأمرهم به، ولكنه ليس بتكليف، لان الامر إنما يكون تكليفا إذا انضمت إليه المشقة.
وأما الجواب عن الثاني، فإن الشكر الذي بالقلب رجوعه إلى الاعتقادات، والله تعالى يفعل في أهل الجنة المعارف كلها، فلا وجوب إذا عليهم، وأما الشكر باللسان فيجوز أن يكون لهم فيه لذة، فيكون بذلك غير مناف للثواب الحاصل لهم.
وبهذا الوجه نجيب عن قول من يقول: أليس زبانية النار يعالجون أهل العذاب في جهنم، أعاذنا الله منها؟ وهل هذا إلا محض تكليف! لأنا نقول إنه يجوز أن يكون للزبانية في ذلك لذة عظيمة، فلا يثبت التكليف معها، كما لا يكون الانسان مكلفا في الدنيا بما يخلص إليه شهوته، ولا مشقة عليه فيه.

(١) سورة الحاقة ٢٤ (2) سورة الإسراء 50
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175