على أمورهم، وطالبوه بأن يعتزل، لأنه (1) مستول عليهم بغير حق فامتنع من ذلك، ويكون فائدة هذا الكلام التبرؤ من مباشرة قتله، والامر به على سبيل التفصيل أو النهى عنه. ويجوز أن يريد أنني ما أحببت قتله، إن كانوا تعمدوا القتل، ولم يقع على سبيل الممانعة وهو غير مقصود. ويريد بقوله: (ما كرهته) أنى لم أكرهه على كل حال، ومن كل وجه.
فأما لعنه قتلته فقد بينا أنه ليس بظاهر ظهور ما ذكرناه، وإن صح فهو مشروط بوقوع القتل على الوجه المحظور من تعمد له، وقصد إليه وغير ذلك، على أن المتولي للقتل على ما صحت به الرواية كنانة بن بشير التجيبي، وسودان بن حمران المرادي، وما منهما من كان غرضه صحيحا في القتل، ولا له أن يقدم عليه، فهو ملعون به. فأما محمد بن أبي بكر، فما تولى قتله، وإنما روى أنه لما جثا بين يديه قابضا على لحيته، قال له: يا ابن أخي، دع لحيتي، فإن أباك لو كان حيا لم يقعد منى هذا المقعد، فقال محمد: إن أبى لو كان حيا ثم يراك تفعل ما تفعل لا نكره عليك، ثم وجاه (2) بجماعة قداح كانت في يده فحزت في جلده ولم تقطع، وبادره من ذكرناه في قتله بما كان فيه قتله.
فأما تأويله قول أمير المؤمنين عليه السلام: (قتله الله وأنا معه)، على أن المراد به، الله أماته وسيميتني، فبعيد من الصواب، لان لفظة (أنا) لا تكون كناية عن المفعول، وإنما تكون كناية عن الفاعل، ولو أراد ما ذكره لكان يقول: (وإياي معه)، وليس له أن يقول: إننا نجعل قوله: (وأنا معه) مبتدأ محذوف الخبر، ويكون تقدير الكلام:
(وأنا معه مقتول)، وذلك لان هذا ترك للظاهر وإحالة على ما ليس فيه، والكلام إذا أمكن حمله على معنى يستقل ظاهره به من غير تقدير وحذف كان أولى مما يتعلق بمحذوف، على أنهم إذا جعلوه مبتدأ وقدروا خبرا لم يكونوا بأن يقدروا ما يوافق مذهبهم بأولى من تقدير خلافه، ويجعل بدلا من لفظة (المقتول) المحذوفة لفظة (معين) أو (ظهير).