الاخبار الغيبية، وخروجها عن وسع الطبيعة البشرية. وبين من مقامات العارفين، التي يرمز إليها في كلامه ما لا يعقله إلا العالمون، ولا يدركه إلا الروحانيون المقربون. وكشف عن مقاصده عليه السلام في لفظه يرسلها، ومعضلة (1) يكنى عنها، وغامضة يعرض بها، وخفايا يجمجم بذكرها، وهنات تجيش في صدره فينفث بها نفثه المصدور، ومرمضات مؤلمات يشكوها فيستريح بشكواها استراحة المكروب.
فخرج هذا الكتاب كتابا كاملا في فنه، واحدا بين أبناء جنسه، ممتعا بمحاسنه، جليلة فوائده، شريفة مقاصده، عظيما شانه، عاليه منزلته ومكانه. ولا عجب ان يتقرب بسيد الكتب إلى سيد الملوك، وبجامع الفضائل إلى جامع المناقب، وبواحد العصر إلى أوحد الدهر، فالأشياء بأمثالها أليق، وإلى اشكالها أقرب، وشبه الشئ إليه منجذب، ونحوه دان ومقترب.
ولم يشرح هذا الكتاب قبلي فيما أعلمه الا واحد، وهو سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه المعروف بالقطب الراوندي (2)، وكان من فقهاء الإمامية، ولم يكن من رجال هذا الكتاب، لاقتصاره مدة عمره على الاشتغال بعلم الفقه وحده، وأنى للفقيه ان يشرح هذه الفنون المتنوعة، ويخوض في هذه العلوم المتشعبة، لا جرم ان شرحه لا يخفى حاله عن الذكي، وجرى الوادي فطم على القرى (3). وقد تعرضت في هذا الشرح لمنا قضته