وأيضا فالعقل كالسراج، والشرع كالزيت الذي يمده، فما لم يكن زيت لم يشعل السراج، وما لم يكن سراج لم يضئ الزيت، ونبه الله تعالى على ذلك بقوله: (الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسه نار، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم) (9).
وأيضا فالشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما يتعاضدان، بل يتحدان، ولكون الشرع عقلا من خارج، سلب الله اسم العقل من الكافر في غير موضع من القرآن نحو قوله تعالى: (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) (10) ولكون العقل شرعا من داخل قال تعالى في صفة العقل (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (11) فسمى العقل دينا، ولكونهما متحدين قال:
(نور على نور) اي نور العقل ونور الشرع، ثم قال: (يهدي الله لنوره من يشاء) فجعلهما نورا واحدا، فالعقل إذا فقد الشرع عجز عن أكثر الأمور كما عجزت العين عند فقد النور.
واعلم أن العقل بنفسه قليل الغنى لا يكاد يتوصل الا إلى معرفة كليات الشئ دون جزئياته، نحو ان يعلم جملة حسن اعتقاد الحق، وقول الصدق وتعاطي الجميل، وحسن استعمال المعدلة، وملازمة العفة ونحو ذلك، من غير أن يعرف ذلك في شئ شئ (12) والشرع يعرف كليات الشئ وجزئياته