الأصحاب في ذلك مع العلم بإجماعهم وإجماع ساير العلماء عليه والحنفية قالوا: إن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل المندوبات والمستحبات، بل يقرب من درجة الواجبات، وممن صرح بذلك أبو منصور محمد بن مكرم الكرماني في مناسكه، وعبد الله بن محمود ابن بلدحي في شرح المختار، وفي فتاوى أبي الليث السمرقندي في باب أداء الحج.
وقال في ص 59: كيف يتخيل في أحد من السلف منعهم من زيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى وسنذكر ذلك وما ورد من الأحاديث والآثار في زيارتهم، وحكى في ص 61 عن القاضي عياض وأبي زكريا النووي إجماع العلماء والمسلمين على استحباب الزيارة. وقال ص 63: وإذا استحب زيارة قبر غيره صلى الله عليه وسلم فقبره أولى لما له من؟
الحق ووجوب التعظيم فإن قلت: الفرق [يعني بين زيارة قبر النبي وغيره] إن غيره يزار للاستغفار له لاحتياجه إلى ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في زيارته أهل البقيع، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغن عن ذلك. قلت: زيارته صلى الله عليه وسلم إنما هي لتعظيمه والتبرك به، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه، كما أنا مأمورون بالصلاة عليه والتسليم وسؤال الوسيلة وغير ذلك مما يعلم أنه حاصل له صلى الله عليه وسلم بغير سؤالنا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى ذلك لنكون بدعائنا له متعرضين للرحمة التي رتبها الله على ذلك.
فإن قلت: الفرق أيضا أن غيره لا يخشى فيه محذور وقبره صلى الله عليه وسلم يخشى الافراط في تعظيمه أن يعبد. قلت: هذا كلام تقشعر منه الجلود ولولا خشية اغترار الجهال به لما ذكرته، فإن فيه تركا لما دلت عليه الأدلة الشرعية بالآراء الفاسدة الخيالية، وكيف تقدم على تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم: زوروا القبور؟ وعلى ترك قوله: من زار قبري وجبت له شفاعتي؟ وعلى مخالفة إجماع السلف والخلف بمثل هذا الخيال الذي لم يشهد به كتاب ولا سنة؟ بخلاف النهي عن اتخاذه مسجدا، وكون الصحابة احترزوا عن ذلك المعنى المذكور لأن ذلك قد ورد النهي فيه وليس لنا أن نشرع أحكاما من قبلنا، أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله؟ فمن منع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقد شرع من الدين والتعظيم والوقوف عند الحد الذي لا يجوز مجاوزته بالأدلة الشرعية، وبذلك يحصل الأمر من عبادة غير الله تعالى، ومن أراد الله ضلاله من أفراد من الجهال فلن يستطيع أحد هدايته، فمن ترك شيئا من التعظيم المشروع لمنصب النبوة زاعما بذلك الأدب