وإذا تبين هذا فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فلو دفع المؤمن حاجة نفسه دون حاجة نبيه يكون مثله من يدهن شعره ويكشف رأسه في برد مفرط قاصدا به تربية شعره ولا يعلم أنه يؤذي به رأسه الذي لا نبات لشعره إلا منه.
فكذلك دفع حاجة النفس لفراغها إلى عبادة الله ولا علم بكيفية العبادة إلا من الرسول، فلو دفع الإنسان حاجة لا للعبادة فهو ليس دفعا للحاجة، إذ هو فوق تحصيل المصلحة وهذا ليس فيه مصلحة فضلا من أن يكون حاجة وإن كان للعبادة فترك النبي الذي منه يتعلم كيفية العبادة في الحاجة ودفع الحاجة مثل تربية الشعر مع إهمال أمر الرأس. فبين أن النبي " ص " إذا أراد شيئا حرم على الأمة التعرض إليه في الحكمة الواضحة " (1).
وقال النسفي: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أي أحق بهم في كل شئ من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوا نفسه دونه ويجعلوها فداءه، أو هو أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم " (2).
وقال النيسابوري: " ثم إنه كان لقائل أن يقول: هب أن الدعي لا يسمى ابنا، أما إذا كان لدعيه شئ أحسن فكيف يليق بالمروة أن يطمع عينه إليه وخاصته إذا كان زوجته، فلذلك قال في جوابه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم والمعقول فيه: أنه رأس الناس ورئيسهم فدفع حاجته والاعتناء بشأنه أهم، كما أن رعاية العضو الرئيس وحفظ صحته وإزالة مرضه أولى، وإلى هذا أشار النبي " ص " بقوله: إبدأ بنفسك ثم بمن تعول.
ويعلم من إطلاق الآية أنه أولى بهم من أنفسهم في كل شئ من أمور