قوله:
" والأغرب من ذلك استدلال بعض مدققيهم على عدم إرادة المحبة... " أقول: إن الذي يقوله المدققون من أهل الحق هو أنه لما كان وجوب مودة أمير المؤمنين عليه السلام سواء بالخصوص أو في ضمن العموم أمرا ثابتا بالآيات والأحاديث الكثيرة، ومشتهرا بين جميع الناس من الخواص والعوام، ولم يكن هذا الأمر - وهو وجوب المودة - عند أهل السنة مختصا به وحده، بل كان يشاركه فيه سائر الصحابة أيضا كان هذا الاهتمام بهذا الأمر - الثابت لدى الجميع والمشترك فيه جميع الأصحاب كما عليه الجماعة - أمرا غير معقول.
بل إنه بناءا على مذهب أهل السنة القائلين بأفضلية الشيخين بل الثلاثة من علي عليه السلام يكون مودة الثلاثة - لا سيما الشيخين - آكد وألزم وأهم من محبة علي عليه السلام، فترك الأهم وإيثار غير الأهم مع هذا الاهتمام البالغ يستحيل صدوره ووقوعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فبالنظر إلى جميع ما ذكر مع الالتفات إلى ذاك الاهتمام البالغ الذي كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ الأمر يوم غدير خم مع تلك الأحوال والمقارنات والخصوصيات - التي من أهمها قرب وفاة النبي " ص " - يعلم أن النبي " ص " كان بصدد تبليغ أمر مهم يختص بعلي عليه السلام وحده ولا يشاركه فيه أحد من القوم، ولا يكون ذلك الأمر إلا الخلافة والإمامة.
ولو أن ملكا من الملوك كان في سفر فتوقف عن السير في وسط الطريق فجأة، وأمر من كان معه - وهم ألوف - بالوقوف في مكان ليس فيه أبسط وسائل الراحة مع حرارة الجو، ثم أمر بأن يصنع له من أقتاب الإبل منبرا فصعد المنبر وعرف من معه بقرب وفاته، وذكرهم بأولويته بالتصرف في