وأستغفر الله أن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين عليه السلام فأمرنا أن نكربه و نطمس أثر القبر، فوافيت الناحية مساء، ومعنا الفعلة والدر كاريون 1 معهم المساحي والمرود 2 فتقدمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديد، و أصوات عالية، وجعل الغلمان ينبهوني فقمت وأنا ذعر، فقلت للغلمان: ما شأنكم؟ قالوا:
أعجب شأن، قلت: وما ذاك؟ إن بموضع قالوا: القبر قوما قد حالوا بيننا وبين القبر وهم يرمونا مع ذلك بالنشاب فقمت معهم لاتبين الامر فوجدته كما وصفوا، وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض، فقلت ارموهم فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهم منها إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله.
فاستوحشت لذلك وجزعت، وأخذتني الحمى والقشعريرة، ورحلت عن القبر لوقتي ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به، قال: أبو برزة 3 فقلت له: قد كفيت ما تحذر من المتوكل قد قتل بارحة الأولى وأعان عليه في قتله المنتصر فقال لي: قد سمعت بذلك، وقد نالني في جسمي مالا أرجو معه البقاء، قال أبو برزة، كان هذا في أول النهار فما أمسى الديزج حتى مات.
قال ابن حشيش: قال أبو المفضل 4: إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليها السلام فسأل رجلا من الناس عن ذلك فقال له: قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر، قال: ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر فقتله وعاش بعده سبعة أشهر 5.
4 - أمالي الطوسي: عنه، عن أبي المفضل، عن علي بن عبد المنعم بن هارون الخديجي الكبير من شاطئ النيل قال: حدثني جدي القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي وكان له علم بالسيرة وأيام الناس، قال: بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام، فيصير إلى قبره