العزيز الجبار، ولم يصل قطرة واحدة إلى قبر الحسين عليه السلام، وكان القبر الشريف إذا جاءه الماء يرتفع أرضه بإذن الله تعالى فتعجب زيد المجنون مما شاهده وقال: انظر يا بهلول يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون 1.
قال: ولم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين عليه السلام مدة عشرين سنة والقبر على حاله لم يتغير، ولا يعلوه قطرة من الماء، فلما نظر الحارث إلى ذلك قال: آمنت بالله و بمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله والله لأهربن على وجهي وأهيم في البراري ولا أحرث قبر الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن لي مدة عشرين سنة أنظر آيات الله وأشاهد براهين آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أتعظ ولا أعتبر، ثم إنه حل النيران و طرح الفدان وأقبل يمشي نحو زيد المجنون وقال له: من أين أقبلت يا شيخ؟ قال: من مصر فقال له: ولأي شئ جئت إلى هنا وأنه لأخشى عليك من القتل فبكى زيد و قال: والله قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السلام فأحزنني ذلك وهيج حزني ووجدي.
فانكب الحارث على أقدام زيد يقبلهما وهو يقول: فداك أبي وأمي فوالله يا شيخ من حين ما أقبلت إلي أقبلت إلي الرحمة واستنار قلبي بنور الله، وإني آمنت بالله ورسوله، وإن لي مدة عشرين سنة وأنا أحرث هذه الأرض وكلما أجريت الماء إلى قبر الحسين عليه السلام غار 2 وحار واستدار، ولم يصل إلى قبر الحسين عليه السلام منه قطرة و كأني كنت في سكر وأفقت الآن ببركة قدومك إلي فبكى زيد وتمثل بهذه الأبيات:
تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما فلقد أتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوما أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما فبكى الحارث وقال: يا زيد قد أيقظتني من رقدتي وأرشدتني من غفلتي وها أنا الآن ماض إلى المتوكل بسر من رأى اعرفه بصورة الحال إن شاء (الله) أن يقتلني وإن شاء (الله) أن يتركني.
فقال له زيد: وأنا أيضا أسير معك إليه وأساعدك على ذلك، قال: فلما