ثم تهيأت العساكر للحرب، فكان على ميمنة أهل الشام عبد الله بن الضحاك بن قيس الفهري، وعلى ميسرتهم مخارق بن ربيعة الغنوي، وعلى الجناح شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري وفي القلب الحصين بن نمير السكوني، ثم جعل أهل العراق على ميمنتهم المسيب بن نجبة الفزاري، وعلى ميسرتهم عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وعلى الجناح رفاعة بن شداد البجلي، وعلى القلب الأمير سليمان بن صرد الخزاعي ووقف العسكر فنادى أهل الشام: ادخلوا في طاعة عبد الملك بن مروان، ونادى أهل العراق: سلموا إلينا عبيد الله بن زياد وأن يخرج الناس من طاعة عبد الملك وآل الزبير، ويسلم الامر إلى أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله، فأبى الفريقان، وحمل بعضهم على بعض وجعل سليمان بن صرد يحرضهم على القتال ويبشرهم بكرامة الله، ثم كسر جفن سيفه وتقدم نحو أهل الشام وهو يقول:
إليك ربي تبت من ذنوبي * وقد علاني في الورى مشيبي فارحم عبيدا عرما 1 تكذيب * واغفر ذنوبي سيدي وحوبي 2 قال حميد بن مسلم: حملت ميمنتنا على ميسرتهم، وحملت ميسرتنا على ميمنتهم، وحمل سليمان في القلب فهزمناهم وظفرنا بهم، وحجز الليل بيننا وبينهم ثم قاتلناهم في الغد وبعده حتى مضت ثلاثة أيام ثم أمرهم الحصين بن نمير لأهل الشام برمي النبل فأتت السهام كالشرار المتطاير فقتل سليمان بن صرد رحمه الله فلقد بذل في أهل الثأر مهجته، وأخلص لله توبته وقد قلت هذين البيتين، حيث مات مبرءا من العتب والشين:
قضى سليمان نحبه فغدا * إلى جنان ورحمة الباري مضى حميدا في بذل مهجته * وأخذه للحسين بالثار ثم أخذ الراية المسيب بن نجبة، فقاتل قتالا خرت له الأذقان، وأثر في ذلك الجيش الجم الطعان ثلاث مرات، وكان من أعظم الشجعان قتالا وأكرهم على الأعداء نكالا وهو يقول: