فقال المختار: أنا والله أجمعهم على الحق وألقى بهم ركبان الباطل وأقتل بهم كل جبار عنيد إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.
ثم سأله المختار عن سليمان بن صرد هل توجه لقتال المحلين؟ قال: لا، ولكنهم عازمون على ذلك، ثم سار المختار حتى انتهى إلى نهر الحيرة و [هو] يوم الجمعة، فنزل و اغتسل ولبس ثيابه وتقلد سيفه، وركب فرسه، ودخل الكوفة نهارا لا يمر على مسجد القبائل ومجالس القوم ومجتمع المحال إلا وقف وسلم وقال: أبشروا بالفرج، فقد جئتكم بما تحبون، وأنا المسلط على الفاسقين، والطالب بدم أهل بيت نبي رب العالمين.
ثم دخل الجامع وصلى فيه، فرأى الناس ينظرون إليه، ويقول بعضهم لبعض: هذا المختار ما قدم إلا لأمر، ونرجوا به الفرج، وخرج من الجامع، ونزل داره - ويعرف قديما بسالم بن المسيب - ثم بعث إلى وجوه الشيعة، وعرفهم أنه جاء من محمد بن الحنفية للطلب بدماء أهل البيت، وهذا أمر لكم فيه الشفاء، وقتل الأعداء، فقالوا: أنت موضع ذلك وأهله، غير أن الناس قد بايعوا سليمان بن صرد الخزاعي فهو شيخ الشيعة اليوم فلا تعجل في أمرك، فسكت المختار وأقام ينتظر ما يكون من أمر سليمان، والشيعة حينئذ يريدون أمرهم سرا خوفا من عبد الملك بن مروان ومن عبد الله بن الزبير وكان خوف الشيعة من أهل الكوفة أكثر، لان أكثرهم قتلة الحسين عليه السلام وصار المختار يفخذ الناس عن سليمان بر صرد ويدعوهم إلى نفسه، فأول من بايعه وضرب على يده عبيد بن عمر وإسماعيل بن كثير.
فقال عمر بن سعد وشبث بن ربعي لأهل الكوفة: إن المختار أشد عليكم، لان سليمان إنما خرج يقاتل عدوكم، والمختار إنما يريد أن يثب عليكم، فسيروا إليه وأوثقوه بالحديد، وخلدوه السجن، فما شعر حتى أحاطوا بداره واستخرجوه.
فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة لعبد الله بن يزيد: أوثقه كتافا ومشه حافيا، فقال له: لم أفعل هذا برجل لم يظهر لنا عداوة ولا حربا إنما أخذناه على الظن، فأتى ببغلة له دهماء فركبها، وأدخلوه السجن، قال يحيى بن أبي عيسى: دخلت مع حميد بن مسلم الأزدي إلى المختار، فسمعته يقول: أما ورب البحار، والنخل والأشجار،