فكان من أمره ما كان.
وإنما أردنا بذكر هذه الجملة، أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة، وأن الاتفاق السيئ - عكس الامر إلى ما يروون 1 من صيره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية، فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء، ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة.
فأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسن فواضح صحيح لان أخاه سلم كفا للفتنة، وخوفا على نفسه وأهله وشيعته، وإحساسا بالغدر من أصحابه، وهذا عليه السلام لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له، ورأي من أسباب قوة نصار الحق و ضعف نصار الباطل ما وجب معه عليه الطلب والخروج، فلما انعكس ذلك، وظهرت إمارات الغدر فيه، وسوء الاتفاق، رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه، فالحالان متفقان إلا أن التسليم والمكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه عليه السلام، ولم يجب إلى الموادعة، وطلبت نفسه عليه السلام، فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه، وهذا واضح لمتأمله، انتهى كلامه رفع الله في الجنة مقامه 2.
أقول: قد مضت في كتاب الإمامة وكتاب غصب الخلافة وكتاب أحوال أمير المؤمنين عليه السلام وغيرها أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهم عليهم السلام كان مأمورا بأمور خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسول صلى الله عليه وآله فهم كانوا يعملون بها، ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا، وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياء عليهم السلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى على ألوف من الكفرة، و يسبون آلهتهم، ويدعونهم إلى دينهم، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والالقاء في النار وغير ذلك، لا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين، (وخلفاء رسول رب العالمين) في أمثال ذلك، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة، لا مجال للاعتراض عليهم بل يجب التسليم لهم في كل ما يصدر عنهم.