على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنه عليه السلام فدى نفسه المقدسة دين جده، ولم يتزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته عليه السلام، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم (وشقاوتهم) إلا عند فوزه بسعادته، ولو كان يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم، ويشتبه على الناس أمرهم، فيعود بعد حين أعلام الدين طامسة، وآثار الهداية مندرسة، مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنه هرب من المدينة خوفا من القتل إلى مكة، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله، حتى لم يتيسر له - فداه نفسي وأبي وأمي وولدي - أن يتم حجة، فتحلل وخرج منها خائفا يترقب، وقد كانوا لعنهم الله ضيقوا عليه جميع الأقطار ولمن يتركوا له موضعا للفرار.
ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أن يزيد لعنه الله أنفذ عمرو بن سعيد ابن العاص في عسكر عظيم وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسين عليه السلام سرا وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة، ثم إنه دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية وأمرهم بقتل الحسين عليه السلام على أي حال اتفق، فلما علم الحسين عليه السلام بذلك حل من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.
وقد روي بأسانيد أنه عليه السلام لما منعه محمد بن الحنفية عن الخروج إلى الكوفة، قال: والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني.
بل الظاهر أنه عليه السلام لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه لشدة عداوتهم، و كثرة وقاحتهم، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة، ويدفعونه بكل وسيلة، وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه عليه السلام لا يوافقهم في ذلك، ألا ترى إلى مروان لعنه الله كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه، وكان عبيد الله بن زياد عليه لعائن الله إلى يوم التناد، يقول: اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ثم نرى فيه رأينا، ألا ترى كيف أمنوا مسلما رضي الله عنه ثم قتلوه.
فأما معاوية لعنه الله فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيت عليهم السلام كان ذا دهاء ونكراء وحزم، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه، وذهاب