كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها، تقدمت إليه في أيام معاوية و بعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن فدفعهم، وقال في الجواب ما وجب، ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن عليه السلام ومعاوية باق فوعدهم ومناهم وكانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها.
فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة 1، وبذلوا الطاعة وكرروا الطلب والرغبة، ورأي عليه السلام من قوتهم على من كان يليهم في الحال من قبل يزيد عليه اللعنة وتسلطهم 2 عليه وضعفه عنهم ما قوى في ظنه أن المسير هو الواجب، تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبب، ولم يكن في حسبانه عليه السلام أن القوم يغدر بعضهم، ويضعف أهل الحق عن نصرته، ويتفق ما اتفق من الأمور الغريبة، فإن مسلم بن عقيل لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها.
ولما وردها عبيد الله بن زياد - وقد سمع بخبر مسلم بن عقيل ودخوله بالكوفة وحصوله في دار هانئ بن عروة المرادي على ما شرح في السيرة - وحصل شريك بن الأعور بها، جاء [ه] ابن زياد عائدا، وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك، وأمكنه ذلك، وتيسر له، فما فعل واعتذر بعد فوت الامر إلى شريك بأن ذلك فتك، وأن النبي صلى الله عليه وآله، قال: " إن الايمان قيد الفتك " ولو كان فعل مسلم " من قتل ابن زياد 3 " ما تمكن منه ووافقه شريك عليه لبطل الامر ودخل الحسين عليه السلام الكوفة غير مدافع عنها، وحسر كل أحد قناعه في نصرته، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه.
وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لما حبس ابن زياد هانئا سار إليه في جماعة من أهل الكوفة حتى حصره 4 في قصره، وأخذ بكظمه 5، وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفا وجبنا حتى بث الناس في كل وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن نصرة ابن عقيل، فتقاعدوا (عنه) وتفرق أكثرهم حتى أمسى في شرذمة، وانصرف