أقول: روي في الاحتجاج أنه لما بقي فردا ليس معه إلا ابنه علي بن الحسين عليهما السلام، وابن آخر في الرضاع اسمه عبد الله، أخذ الطف ليودعه، فإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبة الصبي فقتله، فنزل عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه، ورمله بدمه ودفنه، ثم وثب قائما وهو يقول إلى آخر الأبيات 1.
وقال محمد بن أبي طالب: وذكر أبو علي السلامي في تأريخه أن هذه الأبيات للحسين عليه السلام من إنشائه، وقال: ليس لأحد مثلها:
فإن تكن الدنيا تعد نفيسة * فإن 2 ثواب الله أعلى وأنبل وإن يكن الأبدان للموت أنشأت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل وإن يكن الأرزاق قسما مقدرا * فقلة سعي المرء في الكسب أجمل وإن تكن الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل ثم إنه عليه السلام دعا الناس إلى البراز، فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة، ثم حمل على الميمنة، وقال: " الموت خير من ركوب العار " ثم على الميسرة وهو يقول:
أنا الحسين بن علي * آليت أن لا أنثني أحمي عيالات أبي * أمضي على دين النبي 3 قال المفيد والسيد وابن نما " رحمهم الله ": واشتد العطش بالحسين عليه السلام فركب المسناة يريد الفرات، والعباس أخوه بين يديه، فاعترضه خيل ابن سعد، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليه السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف، فانتزع صلوات الله عليه السهم، وبسط يديه 4 تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم، ثم رمى به، وقال: اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك، ثم اقتطعوا العباس عنه، و أحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه، وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم ابن الطفيل السنبسي، فبكى الحسين عليه السلام لقتله بكاء شديدا 5.