هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا مخضوب بدمي، وأقول: يا رسول الله قتلني فلان وفلان.
ثم ضعف عن القتال فوقف، فكلما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه حتى جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن اليسر لعنه الله، فشتم الحسين عليه السلام وضربه بالسيف على رأسه وعليه برنس فامتلأ دما، فقال له الحسين عليه السلام: لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين، ثم ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتم عليها وقد أعيا، وجاء الكندي وأخذ البرنس وكان من خز، فلما قدم بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه، فقالت له امرأته: أتدخل بيتي بسلب ابن رسول الله صلى الله عليه وآله؟ اخرج عني، حشا الله قبرك نارا، فلم يزل بعد ذلك فقيرا بأسوء حال، ويبست يداه، وكانتا في الشتاء ينضحان دما، وفي الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان 1.
وقال المفيد والسيد: فلبثوا هنيئة، ثم عادوا إليه وأحاطوا به فخرج عبد الله ابن الحسن بن علي عليهما السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام، فلحقته زينب بنت علي لتحبسه، فقال الحسين عليه السلام: احبسيه يا أختي! فأبى وامتنع امتناعا شديدا، وقال: لا والله لا أفارق عمي، وأهوى بحر 2 بن كعب - وقيل: حرملة بن كاهل - إلى الحسين عليه السلام بالسيف، فقال له الغلام:
ويلك يا بن الخبيثة، أتقتل عمي؟ فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده، فأطنها إلى الجلد، فإذا هي معلقة، فنادى الغلام: يا عماه 3، فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إليه، وقال:
يا بن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين 4.
قال السيد (ره): فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه، وهو في حجر عمه