بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٦ - الصفحة ١٩
عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: خمسة يتمون في سفر كانوا أو في حضر: المكاري، والكرى، والاشتقان وهو البريد والراعي والملاح لأنه عملهم (1).
ومنه: عن أبيه، عن موسى بن جعفر الكمنداني، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أربعة يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو في حضر: المكاري والكرى والاشتقان والراعي، لأنه عملهم.
قال الصدوق - ره - الاشتقان البريد (2).
* (تفصيل وتبيين) * اعلم أن المشهور بين الأصحاب وجوب الاتمام على المسافر الذي سفره أكثر من حضره، وهذا التعبير شائع في ألسنة الفقهاء، ولم يرد في الاخبار هذا اللفظ، بل إنما ورد فيها وجوب الاتمام على جماعة مخصوصة عملهم وصناعتهم السفر (3) ولذا

(١) الخصال ج ١ ص ١٤٥.
(٢) الخصال ج 1 ص 120.
(3) ظاهر قوله عز وجل: (وإذا ضربتم في الأرض) أن المراد هو المسافر الذي يكون له مقصد وراء المسافة يجد ويجهد ويضرب حتى يصل إلى مقصده ذلك من متجر أو ضياع أو صلة رحم أو غير ذلك كما قال عز وجل: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون (يضربون في الأرض) يقاتلون في سبيل الله.
فإذا كان المقصد وراء المسافة، يدخل المسافر تحت الآية الكريمة فيوضع عنه الركعات المسنونة، سواء كانت داخل الفرض أو خارجه، على ما عرفت من قوله تعالى: (ان لك في النهار سبحا طويلا) لئلا يجتمع على المسافر مشقة سبحتين، وأما أما إذا كان المقصد مع المسافر لا يزال عنه، لم يدخل تحت الآية الكريمة حتى يسقط عنه الركعات المسنونة.
وهذا كالذي اختار السفر لأجل التنزه أو السياحة أو الصيد الحلال، يكون نفس السفر مقصدا له لا يفرق عنده ما وراء المسافة مما هو دونها، فليس له جد في الذهاب في الأرض ولا الاسراع في المسير لا بضرب الاقدام ولا بضرب الإباط بل يطلب المواضع النزهة كلما وجد بغيته أقام فيها يوما أو يومين أو ساعة وساعتين على قدر نشاطه وفرحه، وكلما رأى صيدا تبعه وتعاقبه ليدركه سواء أنجد أو أغار، شرق أو غرب، ذهب أمامه أو رجع خلفه وإن كان من أول السياحة عازما على الذهاب في أكثر من المسافة الشرعية.
نعم أما إذا كان غرضه من التفرج والصيد مباحا أو مندوبا وكان الموضع الذي يريده للتنزه أو الصيد ما وراء المسافة الشرعية، دخل في القسم الأول وشمله حكم الآية الكريمة وسنتها، لأنه قصد المسافة لمقصد هو ما وراءها، فيقصر في المسافة ويتم في البساتين و المتنزهات والنخجيرات وأماكن السياحة.
ومن القسم الثاني الاعراب والأكراد الذين بيوتهم معهم لم يختاروا لتعيشهم موطنا بعد، فلا يتفاوت لهم بلد من بلد آخر. بل كل بلد موطن لهم، وكل منزل أنا خوا فيه رحالهم كان منزلهم، فمقصدهم معهم لا ينفك عنهم، الا الذين لهم طول السنة سفرتان فقط سفرة إلى القر وسفرة إلى الصر، يتمون في القر والصر ويقصرون ما بينهما.
ومن القسم الثاني التاجر الذي يطوف وتجارته معه لم يختر سوقا معينا لتجارته، بل يدور من سوق إلى سوق ومن قرية إلى أخرى فمقصده معه لا يزول عنه، وإن كان مجموع أسواقه يبلغ حد المسافة، إلا أما إذا كان بين سوق وسوق مسافة كاملة يقصر فيها و إذا بلغ منزله أعنى سوق تجارته أتم.
ومن القسم الثاني الراعي الذي يرعى مواشيه يطلب منابع الشيح ومواضع القطر كلما رأى نبتا حصل في مقصده وأقام حتى يستوفيه، فهو قاصد لنفس السفر ليس له مقصد ما وراءها يطلبه ويجد في طلبه، يتم صلواته، الا أما إذا ابتلى بمفازة لا نبت فيها وطول المسافة يبلغ المسافة الشرعية، يقصر طي سفره هذا حتى يجوز المفازة ويبلغ منبتا آخر يرعى فيه.
ومن القسم الثاني الجمال والملاح والبريد والمكاري وأمثالهم، حيث كان نفس السفر وطى المسافة مقصدا لهم ليس لهم بعد تمام المسافة مقصد: وبعد ما بلغ المسافرون مقصدهم واشتغلوا بما أهمهم، فرغ هؤلاء من مقصدهم وما أهمهم، فهم طول المسافة في تجارتهم وكسبهم بل ومنازلهم، كأنهم استوطنوا المسالك واختاروها سوقا لهم يدورون من سوق إلى سوق وكل سوق فيه مقصدهم وتجارتهم، الا أما إذا جد بهم السير خوفا من لص أو طوفان أو سبع أو سيل فحينئذ يشملهم الآية الكريمة، (أما إذا ضربتم في الأرض) على ما عرفت من ظاهر معناها، فيقصرون حين جدهم بين المنزلين لئلا يجتمع عليهم سبحتان.
ومن القسم الثاني المالكون للضياع والعقار أو البساتين أو النخلات يطوفون بينها لاصلاحها ومرمة معاشهم، فإذا كان بين نخلة ونخلة أو بستان وآخر، أو شيعة وأخرى مسافة شرعية كان مقصدهم في السفر والضرب في الأرض ما وراء المسافة فيقصرون، وإذا كانت متقاربة ليس بينها مسافة شرعية، كان مقصدهم دون المسافة وخرجوا عن الآية الكريمة وأتموا، وان بلغت مجموع ذهابهم ذلك حد المسافة الشرعية، فإنهم كلما حصلوا في واحد من تلك الضياع والعقار أو النخلات كانوا في منزلهم ومقصدهم، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * أبواب القصر وأسبابه واحكامه * * الباب الأول * وجوب قصر الصلاة في السفر وعلله وشرائطه وأحكامه وفيه: آية، و: أحاديث 1
3 تفسير قوله تبارك وتعالى: " وإذا ضربتم في الأرض " وفي الذيل ما يناسب 2
4 في قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين 6
5 في المسافة التي شرط في القصر، والبحث حولها مفصلا 10
6 في صلاة المسافر الذي سفره أكثر من حضره، وفي الذيل ما يتعلق 19
7 فيمن نوى الإقامة في بلد عشرة أيام، وفي الذيل ما يناسب 38
8 فيمن فات صلاته في السفر، وفيها بيان 45
9 العلة التي من أجلها كانت الصلاة المغرب في السفر والحضر ثلاث ركعات،... 56
10 * الباب الثاني * مواضع التخيير 74
11 الآيات المتعلقة بالباب في ذيل الصفحة وما يناسب ذلك 74(ه‍)
12 الأقوال في حكم الصلاة في المواطن الأربعة 82
13 في النجف 87
14 حرم الحسين عليه السلام وحد الحائر، وما قاله العلامة المجلسي رحمه الله 89
15 * الباب الثالث * صلاة الخوف وأقسامها وأحكامها، وفيه: 4 - آيات، و: أحاديث 95
16 في وجوب التقصير في صلاة الخوف 96
17 في شروط صلاة الخوف 105
18 في أن صلاة الخوف على ثلاثة وجوه 109
19 قصة رسول الله (ص) والحديبية، وخالد بن الوليد، ونزول قوله تعالى... 110
20 في كيفية صلاة الخوف 115
21 * أبواب * * فضل يوم الجمعة وفضل ليلتها وصلواتهما وآدابهما * * وأعمال سائر أيام الأسبوع * * الباب الأول * وجوب صلاة الجمعة وفضلها وشرائطها وآدابها وأحكامها وفيه: آيات وأحاديث 122
22 تفسير الآيات، وفي الذيل ما يناسب ويتعلق بالمقام 123
23 بحث حول صلاة الجمعة وسورة الجمعة 133
24 فيما يستنبط من آيات السورة الجمعة، ومعنى الامام 139
25 أقوال الفقهاء في الصلاة الجمعة وشرائطها 141
26 في قول الباقر (ع): إنما فرض الله عز وجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا... 153
27 في أن الناس في الجمعة على خمسة أقسام 167
28 في أول وقت الجمعة وآخر وقتها 171
29 دعاء القنوت في الوتر ويوم الجمعة 190
30 العلة التي من أجلها صارت صلاة الجمعة ركعتين وجعلت الخطبة يوم الجمعة... 201
31 توضيح مرام ودفع أوهام وشرح للحديث من العلامة المجلسي (ره) 203
32 في أعمال الجمعة 212
33 الاستدلال بوجوب التخييري 217
34 بحث وتحقيق في وجوب صلاة الجمعة وعدم وجوبها 221
35 بحث في الاجماع وتحققه 222
36 فيما قاله السيد ابن الطاوس رحمه الله في صلاة الجمعة وأدلتها 227
37 في أن صلاة الظهر يوم الجمعة هي صلاة الجمعة 230
38 أول جمعة خطب فيها رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة، ومتن الخطبة 232
39 الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين عليه السلام لصلاة الجمعة، وشرح لغاتها 234
40 خطبة أخرى التي خطبها علي عليه السلام يوم الجمعة، وشرح لغاتها... 236
41 في القدر المعتبر في كل من الخطبتين 258
42 * الباب الثاني * فضل يوم الجمعة وليلتها وساعاتها، وفيه: آية، و: 33 - حديثا 263
43 معنى قوله تعالى: " وشاهد ومشهود " وفيه معان ووجوه وتأويل 263
44 الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة 273
45 في أن الأعياد أربعة 276
46 * الباب الثالث * اعمال ليلة الجمعة وصلاتها وأدعيتها، وفيه: 39 - حديثا 287
47 في من كان له حاجة، والدعاء قبل الافطار 287
48 فيمن أراد حفظ القرآن 288
49 الدعاء في ليلة الجمعة وعرفة ويومهما (اللهم من تعبأ) 294
50 دعاء آخر في ليلة الجمعة، وفيه بيان 296
51 الدعاء في الوتر وبعده في ليلة الجمعة 298
52 فيما يقرء من القرآن في ليلة الجمعة 310
53 الصلاة في ليلة الجمعة 319
54 * الباب الرابع * أعمال يوم الجمعة وآدابه ووظائفه، وفيه: 68 - حديثا 329
55 في الغسل وقص الأظفار، وزيارة النبي (ص) والأئمة عليهم السلام 329
56 في تقليم الأظفار 344
57 فيمن اغتسل يوم الجمعة 356
58 السنن في يوم الجمعة، وهي سبعة 360
59 فيمن أراد أن يدرك فضل يوم الجمعة 366
60 الصلاة المعروفة بالكاملة والدعاء بعدها 371