عن صلاة الخوف فنزل (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) الآية هو في الظاهر كالمتصل به، وهو منفصل عنه (1).
(١) وأخرج ابن جرير عن علي عليه السلام (على ما في الدرر المنثور ج 2 ص 209) قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله انا نضرب في الأرض فكيف نصلى؟ فأنزل الله: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ثم انقطع الوحي.
فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وآلهفصلى الظهر فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم! فقال قائل منهم: ان لهم مثلها أخرى في أثرها، فأنزل الله بين الصلاتين: (ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) إلى قوله (ان الله أعد للكافرين عذابا مهينا) فنزلت صلاة الخوف.
أقول: قصر صلاة السفر ثابت بالسنة القطعية من رسول الله صلى الله عليه وآله، وعليه روايات الفريقين متواترة، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقصرون صلاتهم اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى أما إذا جاء التابعون وظهر أصحاب الرأي والفتيا، توهموا أن حكم القصر في الصلاة إنما ثبت بالآية الكريمة: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) فجعلوه رخصة لا عزيمة.
ولكنهم مع ذلك مجمعون كالشيعة على أن الخوف من فتنة الأعداء ليس بشرط في قصر الصلاة، وإنما هو شرط في صلاة الخوف على الهيئة المخصوصة، ولذلك أعضل عليهم توجيه لفظ الآية حيث علق صريحا كون المخافة من العدو شرطا لقصر الصلاة.
فذهب بعضهم إلى أن حكم القصر في الاسفار، إنما يثبت بالسنة، وان كانت الآية بظاهرها تدل على أن القصر يثبت بشرطين: السفر والمخافة معا، فحكم الآية بوجوب القصر مع الشرطين، لا ينافي حكم السنة بوجوبه مع شرط واحد.
وبعضهم كأبي بن كعب أنكر نزول الشرط الثاني رأسا وكتب في مصحفه: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان يفتنكم الذين كفروا) الآية فحينئذ تكون الحكم ثابتا من الله عز وجل خوفا منه على الأمة أن يفتنهم الذين كفروا، فيعم حال السفر مطلقا خاف المسلمون أنفسهم أولم يخافوا كما في قوله تعالى (يبين الله لكم أن تضلوا) أي مخافة منه أن تضلوا.
لكنه قد ذهب عليه أن قوله تعالى: (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) يصرح بأن حكم القصر إنما كان في ظرف المخافة وعدم الطمأنينة، فلا يفيد انكاره نزول (ان خفتم) كما أن قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم) الآية إنما ينظر إلى سفرهم وخوفهم من الأعداء، وهو واضح.
ثم إنه قد أتى بعضهم الاخر ببدع واختلق حديثا نسبه إلى عظماء الأصحاب بأن صدر الآية نزلت قبل ثم انقطع الوحي، ثم نزل تتمه الآية بعد سنة، وهو كما ترى لا يدفع الاشكال، بل يثبته.
وذلك لان الشرط: (ان خفتم أن يفتنكم) أما إذا لحق بصدر الآية وفيها حكم القصر، صار مقيدا لاطلاقه، ولزم بعد نزوله اشتراط حكم القصر بالخوف من فتنة الأعداء وجاء الاشكال برمته بعد سنة، وإذا لم يلحق بصدر هذه الآية وهو خلاف ظاهر الكتاب والسنة صار ذيل الآية: (ان خفتم) الخ لغوا من القول تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.