فرسخا (1) ومنهم من قال: ستة وأربعون ميلا، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري
(١) في نسخة الكمباني تبعا لنسخ الأصل ستة وعشرون فرسخا، وهو سهو ظاهر من طغيان القلم، والشافعي إنما قال: حد المسافة ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعون ميلا وبه قال مالك وأحمد.
قال في مشكاة المصابيح ص ١١٩: وعن مالك بلغه أن ابن عباس كان يقصر الصلاة في مثل ما يكون بين مكة والطائف (على ثلاث مراحل من مكة أربعة وعشرون فرسخا) وفى مثل ما بين مكة وعسفان (على مرحلتين من مكة ستة عشر فرسخا) وفي مثل ما بين مكة وجدة (على مرحلتين شاقتين) وقال مالك: وذلك أربعة برد، ورواه في الموطأ.
أقول: لكن يبقى عليه أن يثبت أن ابن عباس كان يتم فيما دون ذلك، ولم يرد عنه خبر ينص على ذلك، ولعله كان يقصر فيما دون ذلك حتى ثمان فراسخ: بريدين.
نعم ظاهر الشافعي في باب متعة الحج، أنه تعلق في تعيين مسافة القصر بقوله تعالى:
(ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) توهما منه أن الله عز وجل جعل وجوب الهدى أو الصيام (حيث قال (ذلك) إشارة إلى الهدى أو بدله الصيام) لمن كان مسافرا عند حضوره في مكة، فان الحضر مقابل السفر، ولما كان الحكم مقصورا على من كان دون عسفان وذات عرق بالسنة، لزم كون المسافة مثل ما بين عسفان ومكة، وهو من مكة على بعد مرحلتين: ستة عشر فرسخا، لتتطابق الفرض والسنة.
لكنه غفل عن أن المراد بالمسجد الحرام هو الحرام كله، على ما عرفت في ج ٨٤ ص ٤٠ باب القبلة (بل وقد استفاض هذا القول عن ابن عباس أيضا كما أخرجه السيوطي في الدر المنثور ج ١ ص ٢١٧) وغفل عن أن الحرم من جانب عسفان يمتد إلى أرض الحديبية وبين عسفان وما دونها وبين الحديبية (أعنى أرض الحرم منها) أقل من ثمان فراسخ، فيكون الذي أراد الحج من عسفان وما دونها، وظيفته حجالقران أو الافراد، لا حج التمتع لان أهله يعد من حاضري المسجد الحرام، وهو واضح.
فعلى هذا يجب أن نراعي هذه الدقيقة في كتاب الحج عند تعيين المسافة التي يجب فيما وراءها حج التمتع، فان زوايا الحرم بعضها أقرب إلى مكة من بعض، كما أن الحرم من جانب العرفات إنما يمتد من مكة إلى ثلاث فراسخ، وبعض العرفات داخل الحرم و أكثرها خارج الحرم، والذي يكون بينه وبين عرفات (أعني أرضها الحرم) ثمانية فراسخ عليه حج التمتع مع أنه على احدى عشرة فرسخا من مكة، لا ستة عشر فرسخا ولك أن تحمل حديث حريز وفيه (ثمانية عشر ميلا ستة فراسخ) على ما بعد الحرم.