بسم الله الرحمن الرحيم * (أبواب) * * (القصر وأسبابه وأحكامه) * * (باب) * * (وجوب قصر الصلاة في السفر وعلله) * * (وشرائطه وأحكامه) * الآيات: النساء: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا (1).
(١) النساء: ١٠١، وقد كان على المؤلف العلامة أن ينقل الآيتين بعدها، لما فيهما من التعلق التام بالمقام، فلا بأس أن ننقلهما ونبحث عن مفاد الآيات الكريمة فنقول و من الله أسأل العصمة والرشاد: قال الله عز وجل تفريعا على الآية الأولى في بيان حكم صلاة القصر وصلاة الخوف:
" وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليك ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم، وخذوا حذركم ان الله أعد للكافرين عذابا مهينا " (النساء: ١٠٢).
ثم قال: عز وجل تماما لحكم صلاة الخوف وتعليقا على الآية الأولى:
(فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا).
فالمراد بالضرب في الأرض هو السفر كناية، وذلك لان المسافة التي كانت تقطع في يوم واحد، هي مرحلة واحدة ثمان فراسخ، ولم يكن يمكنهم طي هذه المسافة على المعتاد المتعارف الا بضرب الراحلة والجد في المشي بضرب الاقدام.
وأما قوله عز وجل: (فلا جناح عليكم) فسيأتي الكلام فيه مستوفى انشاء الله تبارك وتعالى.
وأما قوله عز وجل: (أن تقصروا من الصلاة) فلما كان القصر متعديا بنفسه، كان تعديته بمن مفيدا لتضمينه معنى القطع والافراز، ولما كان لفظ الصلاة في اطلاق القرآن العزيز ينصرف إلى الركعتين الأولتين المفروضتين، كما مرت الإشارة إليه مرارا، كان قصر الصلاة بتنصيف الصلاة واتيان ركعة واحدة، كما هو واضح، وينص على ذلك روايات أهل البيت عليهم السلام، على ما سيجئ في باب صلاة الخوف.
وأما قوله عز وجل: (ان خفتم أن يفتنكم) الخ فهو نص في الاشتراط ثانيا، أي إذا سافرتم وكنتم مع ذلك خائفين من أن يهجم عليكم الذين كفروا، فصلوا ركعة واحدة مكان ركعتين.
ولكن يظهر من سياق الآيات أن هذا الحكم إنما هو أما إذا كان المؤمنون منفردين في السفر من دون امام يجمع شملهم، فحينئذ يصلى كل واحد منهم ركعة واحدة بالانفراد، ثم يشتغل عوض الركعة المتروكة بذكر الله عز وجل كما سيأتي في شرح الآية الثالثة، و اما أما إذا كانوا مع امام يجمع شملهم وكانوا ذوي عدة، فعليهم أن يحتالوا في رفع الخوف من هجومهم ومباغتتهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بحكم الآية الثانية.
فتبين كون فرض الآية ومفادها أن الصلاة في السفر إنما فرضت ركعتين، وإذا كان معه الخوف من فتنة الأعداء يكون الصلاة ركعة واحدة الا أن الأول على الأصل بالمفهوم الضمني، والثاني بالمنطوق صريحا.
وأما قوله عز وجل: (وإذا كانت فيهم فأقمت لهم الصلاة) الآية، فالظاهر من تحويل السياق أنها بصدد بيان حكم خاص يتفرع على المسألة قبلها، والمعنى أنه أما إذا كان المؤمنون مسافرين وهم مع ذلك خائفون من العدو وهجومهم، وكنت أنت فيهم تجمع شملهم، فأردت أن تقيم لهم الصلاةركعتين، فاحتل لرفع الخوف من بادرتهم بأن تفرق المؤمنين فرقتين:
فرقة تقوم بإزاء العدو ترصدهم والطائفة الأخرى يصلون معك ركعة جماعة وركعة أخرى تمام صلاتهم بالانفراد، ثم تقوم هذه الطائفة حذاء العدو ترصدهم ولتأت الطائفة الأخرى لم يصلوا فليصلوا معك ركعة جماعة وركعة أخرى منفردين، فتكونوا جميعا قد صليتم ركعتين في السفر، لارتفاع الشرط الثاني وهو المخافة.
فعلى هذا لا ريب في أن فرض هذه الآية هو صلاة السفر من دون المخافة من العدو، ولو احتيالا في رفعها، ويستنتج من هذا الفرع أن صلاة السفر، أما إذا لم يكن هناك خوف أبدا، لابد وأن تكون ركعتين بطريق أولى، وهو واضح بحمد الله.
ولا يذهب عليك أن نزول هذه الآية كان في غزوة ذات الرقاع سنة أربع أو خمس.
على ما سيجئ في باب صلاة الخوف، لقوله عز وجل فيها: (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) فإنه اخبار عن واقعة خارجية، الا أن حكم الآية عام لكل امام يخاف مباغتة الخصم يأمره بأن يحتال في رفع المخافة كما بين الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وجه الحيلة في ذلك.
ومما ينص على أن حكم الآية عام ذيل الآية الكريمة: (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم) الآية حيث يخاطب الأمة بذلك، ويبين حكم الفروع المحتملة الطارئة، ولو كان الحكم مختصا بالنبي صلى الله عليه وآله في قضية خاصة لم يكن لذلك وجه، كما هو واضح.
وأما قوله عز وجل: (فإذا قضيتم الصلاة) الآية فهو حكم متمم لصلاة الخوف يفرض على الذين صلوا ركعة واحدة بالانفراد خوفا من باردة العدو، أن يذكروا عز وجل بعد قضاء صلاتهم تلك ما يوازى الركعة المتروكة.
وإنما أخص الحكم بصلاة الخوف فقط، لما عرفت قبلا من أن الآية الثانية إنما تتكفل لبيان فرع من فروع المسألة، فتكون الآية الثانية كالمعترضة واقعة بين الآية الأولى والثالثة.
ومما ينص على اتصال هذه الآية بالأولى اتحاد سياقهما من حيث الخطاب وتحليله إلى كل فرد فرد، وورود قوله تعالى: (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) في هذه الآية ناظرا إلى قوله تعالى، (ان خفتم أن يفتنكم) في الآية الأولى.
والمعنى أن حكم صلاة الخوف وايجاب الذكر بدلا عن الركعة الثانية إنما هو ما دام الخوف باقيا، وأما أما إذا اطمأننتم بأن ارتفع الخوف رأسا اما بمهادنة أو عدم حضور الكفار حولكم، فالفرض عليكم أن تقيموا الصلاة تماما ركعتين.
فمفاد ذيل هذه الآية من حيث فرض الطمأنينة من العدو، ووجوب تمام الصلاةركعتين مفاد الآية الثانية من حيث الاحتيال في رفع مخافة العدو، ووجوب تمام الصلاةركعتين، ولذلك عبر فيهما عن الصلاةركعتين بإقامة الصلاة، كما كان يعبر عنها في سائر الموارد التي يأمر النبي صلى الله عليه وآله أو المؤمنين بإقامة الصلاة.