ومن كان أعمى أو كان بصيرا إلا أنه لا يعرف استدلالات القبلة، أو كان يحسن إلا أنه قد فقدها جاز أن يرجع في معرفة القبلة إلى قول من يخبره بذلك، إذا كان عدلا، فإن لم يجد عدلا يخبره بذلك كان حكمه حكم من فقد الامارات في وجوب الصلاة عليه إلى أربع جهات مع الاختيار أو إلى جهة واحدة مع الاضطرار.
ويجوز للأعمى أن يقبل من غيره ويرجع إلى قوله في كون القبلة في بعض الجهات سواء كان طفلا أو بالغا، فإن لم يرجع إلى قوله وصلى برأي نفسه، وأصاب القبلة كانت صلاته ماضية، وإن أخطأ القبلة أعاد الصلاة، لان فرضه أن يصلي إلى أربع جهات فإن كان في حال الضرورة كانت صلاته ماضية.
ولا يجوز له أن يقبل من الكفار ولا ممن ليس على ظاهر الاسلام، وقول الفاسق، لأنه غير عدل، وإذا دخل الأعمى في صلاته بقول واحد ثم قال آخر: القبلة في جهة غيرها، عمل على قول أعدلهما عنده، فان تساويا في العدالة مضى في صلاته، لأنه دخل فيها بيقين، ولا يرجع عنها إلا بيقين مثله.
وإذا دخل الأعمى في الصلاة بقول بصير ثم أبصر وشاهد أمارات القبلة، وكانت صحيحة بنى على صلاته، وإن احتاج إلى تأمل كثير، وتطلب أمارات ومراعاتها، استأنف الصلاة، لان ذلك عمل كثير في الصلاة وهو يبطل الصلاة، وفي أصحابنا من قال إنه يمضي في صلاته، والأول أحوط.
فان دخل بصير في الصلاة ثم عمي فعليه أن يتمم صلاته، لأنه توجه إلى القبلة بيقين، ما لم ينحرف عن القبلة، فان التوى عليه التواء لا يمكنه الرجوع إليها بيقين، بطلت صلاته، ويحتاج إلى استينافها بقول من يسدده، فإن كان له طريق رجع إليها وتمم صلاته، فان وقف قليلا ثم جاء من يسدده جازت صلاته وتممها، وإن تساوت عنده الجهات فقد قلنا إنه يصلي إلى أربع جهات مع الامكان، ويكون مجزيا في حال الضرورة.
فان دخل فيها ثم غلب على ظنه أن جهة القبلة في غير تلك الجهة، مال إليها وبنى على صلاته، ما لم يستدبر القبلة فإن كان مستدبرها أعاد الصلاة.