فقال له الغلام: أتطيب نفسك بنفسك؟ وما في ذلك تشف من عدوك وأيضا فهل تطيب نفسي بقتلك، وأنت أبر من الوالد الحدب، والام الرفيقة؟ قال: دع عنك هذا، فإنما كنت أربيك لهذا، فلا تنقض علي أمري فإنه لا راحة لي إلا في هذا، قال: الله الله في نفسك يا مولاي، وأن تتلفها للامر الذي لا يدرى أيكون أم لا يكون، فإن كان لم تر منه ما أملت وأنت ميت، قال: أراك لي عاصيا، وما أرضى حتى تفعل ما أهوى.
قال: أما إذا صح عزمك على ذلك فشأنك وما هويت لأصير إليه بالكره لا بالرضى، فشكره على ذلك، وعمد إلى سكين فشحذها ودفعها إليه، وأشهد على نفسه أنه دبره ودفع إليه من صلب ماله ثلاثة آلاف درهم، وقال: إذا فعلت ذلك فخذ في اي بلاد الله شئت، فعزم الغلام على طاعة المولى بعد التمنع والالتواء.
فلما كان في آخر ليلة من عمره، قال له: تأهب لما أمرتك به، فاني موقظك في آخر الليل، فلما كان في وجه السحر، قام وأيقظ الغلام، فقام مذعورا وأعطاه المدية، فجاء حتى تسور حائط جاره برفق فاضطجع على سطحه، فاستقبل القبلة ببدنه، وقال للغلام: ها وعجل، فترك السكين على حلقه، وفرى أوداجه، ورجع إلى مضجعه وخلاه يتشحط في دمه.
فلما أصبح أهله خفي عليهم خبره، فلما كان في آخر النهار أصابوه على سطح جاره مقتولا فأخذ جاره، وأحضروا وجوه المحلة لينظروا إلى الصورة ورفعوه وحبسوه، وكتبوا بخبره إلى الهادي، فأحضره فأنكر أن يكون له علم بذلك وكان الرجل من أهل الصلاح، فأمر بحبسه، ومضى الغلام إلى إصبهان.
وكان هناك رجل من أولياء المحبوس وقرابته، وكان يتولى العطاء للجند بأصفهان، فرأى الغلام وكان عارفا به فسأله عن أمر مولاه، وقد كان وقع الخبر إليه، فأخبره الغلام حرفا حرفا، فأشهد على مقالته جماعة، وحمله إلى مدينة السلام وبلغ الخبر الهادي فأحضر الغلام فقص أمره كله عليه، فتعجب الهادي من ذلك وأمر باطلاق الرجل المحبوس، وإطلاق الغلام أيضا.