أو مفعول مطلق لفعل محذوف، اي أعجب عجبا فعلى الأول " للمتكبر " (1) صفة لقوله " عجبا " وعلى الثاني خبر مبتدأ محذوف بتقدير هو للمتكبر، والضمير المحذوف راجع إلى عجبا.
وقال النحويون لا يمكن أن يكون صفة لعجبا لان الفعل كما لا يكون موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له لا يكون موصوفا، وحذف الفعل وإقامة المصدر مقامه في تلك المواضع واجب.
وأقول: هذا الخبر وأمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية، لمعالجة أعظم الأدواء الروحانية، وهو الفخر المترتب على الكبر، وحاصلها أن في الانسان كثير من صفات النقصان، وإن كان فيه كمال فمن رب الإنس والجان، فلا يليق به أن يفتخر على غيره من الاخوان، وفيها إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره، وعلاجه مركب من أجزاء علمية وعملية.
فأما العلمية فبأن يعرف الله سبحانه بجلاله، ويوحده في ذاته وصفاته وأفعاله وأن يعلم أن كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز لا وجود له إلا بفيض جوده ورحمته، وأن الانسان مخلوق عن أكثف الأشياء وأخسها وهو التراب، ثم النطفة النجسة القذرة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم الجنين الذي غذاؤه دم الحيض، ثم يصير في القبر جيفة منتنة يهرب منه أقرب الناس إليه.
وهو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور، ومن حال إلى حال، من مرض إلى صحة، ومن صحة إلى مرض، إلى غير ذلك من الأحوال المتبادلة، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا حياة ولا نشورا، وإلى هذا أشار عليه السلام بقوله:
" وهو فيما بين ذلك ما يدري ما يصنع به " ثم لا يعلم ما يأتي عليه في البرزخ والقيامة، كما ذكرنا سابقا في باب الكبر (1).
وأنه يعلم أن استكمال كل شئ سواء كان طبيعيا أو إراديا لا يتحقق إلا بالانكسار والضعف، فان العناصر ما لم ينكسر صورة كيفياتها الصرفة، لم تقبل صورة كمالية معدنية أو نباتية أو حيوانية، أو إنسانية، والبذر ما لم يقع في