قذرة، وجده البعيد تراب ذليل، وقد عرفه الله نسبه فقال: " الذي أحسن كل شئ خلقه وبدء خلق الانسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين " (1) فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالاقدام، ثم خمر طينه، حتى صار حمأ مسنونا كيف يتكبر؟ وأخس الأشياء ما إليه نسبه، فان قال: افتخرت بالأب فالنطفة والمضغة أقرب إليه من لأب فليحتقر نفسه بهما.
والسبب الثاني الحسن والجمال فان افتخر به فليعلم أنه قد يزول بأدنى الأمراض والأسقام، وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به، ولينظر أيضا إلى أصله وما خلق منه كما مر، وإلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة وإلى ما في بطنه من الخبائث، مثل الأقذار التي في جميع أعضائه والرجيع الذي في أمعائه، والبول الذي في مثانته، والمخاط الذي في أنفه، والوسخ الذي في أذنيه والدم الذي في عروقه، والصديد الذي تحت بشرته، إلى غير ذلك من المقابح والفضائح، فإذا عرف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن.
الثالث القوة والشجاعة، فمن افتخر بهما فليعلم أن الذي خلقه هو أشد منه قوة، وأن الأسد والفيل أقوى منه، وأن أدنى العلل والأمراض يجعله أعجز من كل عاجز، وأذل من كل ذليل، وان البعوضة لو دخلت في أنفه أهلكته ولم يقدر على دفعها.
الرابع الغنا والثروة والخامس كثرة الأنصار والاتباع والعشيرة وقرب السلاطين، والاقتدار من جهتهم، والكبر والفخر لهذين السببين أقبح لأنه أمر خارج عن ذات الانسان وصفاته، فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغير عليه السلطان وعزله، لبقي ذليلا عاجزا، وإن من فرق الكفار من هو أكثر منه مالا وجاها، فالمتكبر بهما في غاية الجهل.
السادس العلم، وهو أعظم الأسباب وأقواها، فإنه كمال نفساني عظيم عند الله تعالى وعند الخلايق، وصاحبه معظم عند جميع المخلوقات، فإذا تكبر