نظر الكرامة والعطف والبر والرحمة والاحسان، لضعفهم وحقارتهم عنده، أو كناية عن شدة الغضب، لان من اشتد غضبه على أحد استهان به وأعرض عنه وعن التكلم معه والالتفات نحوه، كما أن من اعتد بغير يقاوله ويكثر النظر إليه.
وقيل: في قوله: " يوم القيمة " إشعار بأن المعاصي المذكورة بل غيرها أيضا لا تمنع من إيصال الخير والنعمة إليهم في الدنيا، لان إفضاله فيها يعم الأبرار والفجار، تأكيدا للحجة عليهم.
" ولا يزكيهم " اي لا يطهرهم من ذنوبهم، أو لا يقبل عملهم، أو لا يثني عليهم، وتخصيص الثلاثة بالذكر ليس لأجل أن غيرهم معذور، بل لان عقوبتهم أعظم وأشد، لان المعصية مع وجود الصارف عنها، وعدم الداعي القوي عليها أقبح وأشنع:
وذلك في الشيخ لانكسار قوته وانطفاء شهوته، وطول اعذاره ومدته وقرب الانتقال إلى الله، فهو حري بأن بأن يتدارك ما فات، ويستعد لما هو آت فإذا ارتكب الزنا أشعر ذلك بأنه غير مقر بالدين، ومستخف بنهي رب العالمين فلذا استحق العذاب المهين، وفيه إشعار بأن الشيخ في أكثر المعاصي بل [جميعها أشد عقوبة من الشاب، وعلى أن الشاب بالعفة أمدح من الشيخ والصارف للملك عن كونه جبارا مشاهدة كمال نعمه تعالى عليه] (1) حيث سلطه على عباده وبلاده، وجعلهم تحت يده وقدرته، فاقتضى ذلك أن يشكر منعمه، ويعدل بين خلق الله، ويرتدع عن الظلم والفساد، ويشاهد ضعفه بين يدي الملك المنان فإذا قابل كل ذلك بالكفران، استحق عذاب النيران.
والصارف للمقل الفقير عن الاختيال والاستكبار فقره، لان الاختيال إنما هو بالدنيا، وليست عنده، فاختياله عناد، ومن عاند ربه العظيم صار محروما