أقول: وقد مر بعض الكلام في بعض هذه الآيات.
وقال البيضاوي: " طلعها " أي حملها: مستعار من طلع الثمر لمشاركته إياه في الشكل أو لطلوعه من الشجر " كأنها رؤوس الشياطين " في تناهي القبح والهول وهو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك، وقيل: الشياطين حياة هائلة قبيحة المنظر لها أعراف، ولعلها سميت بها لذلك (1).
وقال: " والشياطين " عطف على الريح " كل بناء وغواص " بدل منه " وآخرين مقرنين في الأصفاد " عطف على " كل " كأنه فصل الشياطين إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص، ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر، ولعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى، ويمكن تقييدها، هذا والأقرب أن المراد تمثيل كفهم عن الشرور بالأقران في الصفد وهو القيد (2).
وقال الرازي: وههنا بحث وهو أن هذه الآيات دالة على أن الشياطين لها قوة عظيمة وبسبب تلك القوة قدروا على بناء الأبنية القوية التي لا يقدر عليها البشر وقدروا على الغوص في البحار، واحتاج سليمان عليه السلام إلى قيدهم، ولقائل أن يقول: هذه الشياطين إما أن تكون أجسادهم كثيفة أو لطيفة، فإن كان الأول وجب أن يراهم من كان صحيح الحاسة، إذ لو جاز أن لا نراهم مع كثافة أجسادهم فليجز أن يكون بحضرتنا جبال عالية وأصوات هائلة لا نراها ولا نسمعها، وذلك دخول في السفسطة فإن كان الثاني: وهو أن أجسادهم ليست كثيفة بل لطيفة رقيقة، فمثل هذا يمتنع أن يكون موصوفا بالقوة الشديدة، وأيضا لزم أن تتفرق أجسادهم وأن تتمزق بسبب الرياح القوية وأن يموتوا في الحال، وذلك يمنع وصفهم بالآلات القوية (3).
وأيضا الجن والشياطين إن كانوا موصوفين بهذه الشدة والقوة فلم لا يقتلون العلماء والزهاد في زماننا؟ ولم لا يخربون ديار الناس مع أن المسلمين مبالغون في إظهار لعنتهم وعداوتهم، وحيث لا يحس شئ من ذلك علمنا أن القول باثبات الجن والشياطين ضعيف.