في الفلك، فهذا أيضا مشكل لأنه تعالى قال في سورة تبارك: " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " والضمير عائد إلى المصابيح.
والجواب أن هذه الشهب غير تلك الثواقب الباقية، وأما قوله: " ولقد زينا " الخ فنقول: كل منير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض إلا أن تلك المصابيح منها باقية على وجه الدهر آمنة من التغير والفساد، ومنها ما لا يكون كذلك وهي هذه الشهب التي يحدثها الله تعالى ويجعلها رجوما للشياطين (1).
الثاني: كيف يجوز أن يذهب الشياطين إلى السماء حيث يعلمون بالتجربة أن الشهب تحرقهم ولا يصلون إلى مقصودهم البتة؟ وهل يمكن أن يصدر مثل هذا الفعل عن عاقل فكيف من الشياطين الذين لهم مزية في معرفة الحيل الدقيقة؟
والجواب: أن حصول هذه الحالة ليس له موضع معين، وإلا لم يذهبوا إليه وإنما يمنعون من المصير إلى مواضع الملائكة، ومواضعها مختلفة، فربما أن صاروا إلى موضع تصيبهم الشهب، وربما صاروا إلى غيره ولا يصادفون الملائكة فلا تصيبهم الشهب فلما هلكوا في بعض الأوقات وسلموا في بعضها، جاز أن يصيروا إلى مواضع يغلب على ظنونهم أنه لا تصيبهم الشهب فيها، كما يجوز فيمن يسلك البحر أن يسلكه في موضع يغلب على ظنه حصول النجاة، هذا ما ذكره الجبائي في تفسيره.
ولقائل أن يقول: إنهم إذا صعدوا فاما أن يصلوا إلى مواضع الملائكة أو إلى غير ذلك الموضع، فان وصلوا إلى مواضع الملائكة احترقوا، وإن وصلوا إلى غيرها لم يفوزوا بمقصود أصلا (2)، فبعد هذه التجزية وجب أن يمتنعوا عن هذا العمل.