قوله " نشرا " أي منتشرة متفرقة، فجزء من أجزاء الريح يذهب يمنة، وجزء آخر يذهب يسرة، وكذا القول في سائر الأجزاء، فإن كل واحد منها يذهب إلى جانب آخر فنقول: لاشك أن طبيعة الهواء طبيعة واحدة ونسبة الأفلاك والأنجم والطبائع إلى كل واحد من الاجزاء من ذلك الريح نسبة واحدة، فاختصاص بعض أجزاء الريح بالذهاب يمنة والجزء الآخر بالذهاب يسرة وجب أن لا يكون ذلك إلا بتخصيص الفاعل المختار (1).
" بين يدي رحمته " أي بين يدي المطر الذي هو رحمته، فإن قيل: فقد نجد المطر ولا تتقدمه الرياح، قلنا: ليس في الآية أن هذا التقدم حاصل في كل الأحوال فلم يتوجه السؤال. وأيضا فيجوز أن تتقدمه هذه الرياح وإن كنا لا نشعر بها. وعن ابن عمر: الرياح ثمان، أربع منها عذاب وهو: القاصف، والعاصف، والصرصر، و العقيم، وأربع منها رحمة: الناشرات، والمبشرات، والمرسلات، والذاريات. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: نصرت بالصبا، وأهلك عاد بالدبور، والجنوب من ريح الجنة. و عن كعب: لو حبس الله الريح عن عباده ثلاثة أيام لأنتن أكثر الأرض (2).
" فيرسل عليكم قاصفا من الريح " قال الطبرسي - ره -: أي فإذا ركبتم البحر أرسل عليكم ريحا شديده كاسرة للسفينة، وقيل: الحاصب: الريح المهلكة في البر والقاصف: المهلكة في البحر. فيغرقكم بما كفرتم " من نعم الله (3).
" أن يرسل الرياح " قال البيضاوي: أي الشمال والصبا والجنوب، فإنها رياح الرحمة، وأما الدبور فريح العذاب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا " وقرأ ابن كثير والحمزة والكسائي " الريح " على إرادة الجنس " مبشرات " بالمطر " وليذيقكم من رحمته " يعني المنافع التابعة لها، وقيل: الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الذي هو مع هبوبها، والعطف على علة