وقال الشيخ: أنا أرى أن المني ليس يجب أن يكون من الدماغ وحده، و إن كانت خميرته منه، وصح ما يقوله بقراط من أمر العرقين، بل يجب أن يكون له من كل عضو رئيس عين، ومن الأعضاء الأخرى ترشح أيضا إلى هذه الأصول.
وقال القرشي في شرح القانون: إنما يكون تولد المني من الرطوبة المبثوثة على الأعضاء كالطل، ومعلوم أنه ليس في كل عضو من الأعضاء مجرى يسيل فيه ما هناك من تلك الرطوبة إلى الأنثيين ثم إلى القضيب، فلا يمكن أن يكون وصولها إلى هناك إلا بأن تتبخر تلك الرطوبة من الأعضاء حتى تتصعد إلى الدماغ، وهناك تفارقها الحرارة المتبخرة فتبرد وتتكاثف وتعود إلى قوامها قبل التبخر، ثم من هناك ينزل إلى العروق التي خلف الاذنين وينفذ إلى النخاع في عروق هناك لئلا يتغير عن التعدل الذي أفاده الدماغ، فلا يتبخر بالحرارة كرة أخرى، فإذا نزلت من هناك حتى وصلت إلى قرب الأنثيين صادف هناك عروقا واصلة من الكليتين إلى الأنثيين، وتلك العروق مملوءة من الدم، فتتسخن في الكليتين وتعدل، فيحيله ذلك النازل من الدماغ إلى مشابهه بعض الاستحالة، ثم بعد ذلك ينفذ إلى الأنثيين ويكمل فيهما تعدله و بياضه ونضجه، ومنهما يندفع إلى أوعيته.
وأيد ذلك بما نقل من كتاب منسوب إلى هرمس في سر الخليقة قد فسره بليناس وهو أن المني إذا خرج من معادنه عند الجماع ائتلف بعضه إلى بعض وسما إلى الدماغ وأخذ الصورة منه، ثم نزل في الذكر وخرج منه.
وقال شارح الأسباب: مادة المني يأتي من الكبد إلى الكليتين في شعب من الأجوف النازل، ويتصفى فيهما من المائية، ثم منهما إلى المجرى الذي بينهما و بين الأنثيين، وهو عرق كثير المعاطف والاستدارات ليطول المسافة بينهما فينضج فيه المني ويبيض بعد احمراره، ثم منه إلى الأنثيين، فهما يعينان على تمام تكون المني باسخانها الدم النافذ في هذه العروق (انتهى).
وقالوا: ونبت من الأنثيين وعاءان مثل البربخين شبيهين بجوهر الأنثيين يصعدان أولا إلى العانة وإلى معلق البيضتين، ثم ينزلان متوربين إلى عنق المثانة أسفل من