بيان: قال الجزري: قاموس البحر وسطه ومعظمه، ومنه حديث ابن عباس وسئل عن المد والجزر - وذكر الخبر - ثم قال: أي زاد ونقص وهو فاعول من القمس (انتهى) وأقول: اختلف الحكماء في سبب المد والجزر على أقوال شتى، وليس شئ منها مما يسمن أو يغني من جوع أو يروي من عطش. وما ذكر في الخبر أظهرها وأصحها عقلا أيضا، وقد سمعت من بعض الثقات أنه قال: إني رأيت شيئا عظيما يمتد من الجو إلى البحر فيمتد ماؤه ثم إذا ذهب ذلك شرع في الجزر (1). وأما ما ذكره الحكماء في ذلك ففي رسائل إخوان الصفا: أما علة هيجان البحار وارتفاع مياهها ومدودها على سواحلها وشدة تلاطم أمواجها وهبوب الرياح في وقت هيجانها إلى الجهات في أوقات مختلفة من الشتاء والصيف والربيع والخريف وأوائل الشهور وأواخرها وساعات الليل والنهار فهي من أجل أن مياهها إذا حميت من قرارها وسكنت ولطفت وتخلخلت وطلبت مكانا أوسع مما كان فيه، فتدافعت بعض أجزائها بعضا إلى الجهات الخمس فوقا وشرقا وغربا وجنوبا وشمالا للاتساع فيكون في الوقت الواحد على سواحلها أمواج مختلفة في جهات مختلفة، وأما علة هيجانها في وقت دون وقت فهو بحسب تشكل الفلك والكواكب ومطارح شعاعاتها على سطوح تلك البحار في الآفاق والأوتاد الأربعة واتصالات القمر بها عند حلوله في منازله الثمانية و العشرين كما هو المذكور في كتب أحكام النجوم، وأما علة مدود بعض البحار في وقت طلوعات القمر ومغيبه دون غيرها من البحار فهو من أجل أن تلك البحار
(٣٠)