اشتملت على أدلة مجملة من تأمل فيها يحصل له القطع بالمقصود، ألا ترى إلى قولهم عليهم السلام في مواضع (لو كان الكلام قديما لكان إلها ثانيا)) وقولهم (وكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه) إشارة إلى أن الجعل لا يتصور للقديم، لان تأثير العلة إما إفاضة أصل الوجود وإما إفادة بقاء الوجود و استمرار الجعل الأول، و الأول هي العلة الموجدة، والثاني هي المبقية، والموجود الدائمي محال أن تكون له علة موجدة كما تحكم به الفطرة السليمة، سواء كان بالاختيار أو بالايجاب لكن الأول أوضح وأظهر.
ومما ينبه عليه أن في الحوادث المشاهدة في الآن الأول تأثير العلة هو إفاضة أصل الوجود، وفي كل آن بعده من آنات زمان الوجود تأثير العلة هو إبقاء الوجود واستمرار الجعل الأول، فلو كان ممكن دائمي الوجود فكل آن يفرض من آنات زمان وجوده الغير المتناهي في طرف الماضي فهو آن البقاء واستمرار الوجود، ولا يتحقق آن إفاضة أصل الوجود، فجميع زمان الوجود هو زمان البقاء، ولا يتحقق آن ولا زمان للإيجاد وأصل الوجود قطعا (1).
فنقول في توجيه الملازمة في الخبر الأول: لو كان الكلام الذي هو فعله تعالى قديما دائمي الوجود لزم أن لا يحتاج إلى علة أصلا، أما الموجدة فلما مر، وأما المبقية فلأنها فرع الموجدة، فلو انتفى الأول انتفى الثاني بطريق أولى، والمستغني عن العلة أصلا هو الواجب الوجود، فيكون إلها ثانيا وهو خلاف المفروض أيضا لأن المفروض أنه كلام الواجب وفعله سبحانه. ومثله يجري في الخبر الثاني.
ويؤيده ما روى في الكافي وغيره في حديث الفرجة عن الصادق عليه السلام حيث قال للزنديق: ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما. فيلزمك ثلاثة (الخبر) (2) حيث حكم على الفرجة