مشكل، اللهم إلا أن يقال: كل جزء من أجزاء المقدار المتصل متصف في الواقع لا بمجرد الفرض بصفات حقيقية يتصف باعتبارها بالتقدم والتأخر بحسب الوضع وهما متضائفان حقيقيان ويؤيد ذلك أنهم قد صرحوا بأن أجزاء الأجسام موجودة في الواقع بوجود الكل، وليست القسمة إيحادا للجزئين من كتم العدم بل تمييز وتعيين حد بين الجزئين الموجودين فيه. وفيه أنه يلزم انتهاء أجزاء الجسم ويلزم الجزء الذي لا يتجزأ.
ثم اعلم أن هذا البرهان في التسلسل في أحد الجانبين فقط ظاهر، وأما في التسلسل في الجانبين فقد يتوهم عدم جريانه فيه، ودفعه أنا إذا أخذنا معلولا معينا ثم تصاعدنا أو تسافلنا يجب أن يكون المتضائفان الواقعان في تلك السلسلة متساويين ويتم الدليل، ضرورة أن مضائف العلية الواقعة في تلك القطعة هو المعلولية الواقعة فيها، لا ما يقع فيما تحت القطعة من الافراد، مثلا إذا كان زيد علة لعمرو وعمرو لبكر فمضائف معلولية عمرو هو علية زيد لا غير، بل الاثنان منها على التوالي متضائفان تتحقق بينهما إضافة شخصية لا تتحقق في غيرهما، فالمضائف للمعلول الأخير المأخوذ في تلك القطعة هي علية القرينة التي فوقها لا غير فافهم. والاعتراضات الواردة على هذا الدليل من اعتبارية المتضائفين وغيرها مدفوعة بما مهدنا من المقدمات بعد التأمل فلا نطيل الكلام بالتعرض لدفعها.
البرهان الثالث: ما أبداه بعض الأزكياء من المعاصرين، وسماه (برهان العدد والمعدود) وهو عندي متين، وتقريره: أنه لو تحققت أمور غير متناهية سواء كانت مجتمعة في الوجود أولا وسواء كانت مترتبة أم لا، تحقق لها عدد، لان حقيقة العدد هي مجموع الوحدات، ولا ريب في تحقق الوحدات وتحقق مجموعها في السلسلة فتعرض العدد للجملة لا محالة، إذ لا حقيقة للعدد إلا مبلغ تكرار الوحدات، ويظهر من التأمل في المقدمات ذلك المطلوب أيضا كما لا يخفى، وكل مرتبة يمكن فرضها من مراتب الاعداد على سبيل الاستغراق الشمولي فهي متناهية لأنه يمكن فرض مرتبة أخرى فوقها، وإلا لزم أن تقف مراتب العدد، وهو خلاف