بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٤ - الصفحة ٢٤٤
زمان بعد زمان؟ فقال: فإن قلتم معا فأوجدناكم (1) أنها لم تكن معا وأنها أحدثت شيئا بعد شئ، وإن قلتم أحدثها في زمان بعد زمان فقد صار له شريك.
والجواب عن ذلك أن الله تعالى لم يزل واحدا لا شئ معه ولا ثاني له، وابتدأ ما أحدثه من غير زمان (2) وليس يجب إذا أحدث بعد الأول حوادث أن يحدثها في زمان، ولو جعل لها زمانا لما وجب بذلك قدم الزمان، إذ الزمان حركات الفلك وما يقوم مقامها مما هو مقدارها في التوقيت فمن أين يجب عند هذا الفيلسوف أن يكون الزمان قديما إذا لم يوجد الأشياء ضربة واحدة لولا أنه لا يعقل معنى الزمان إلى آخر ما أفاد في هذا المقام.
وقال المحقق الطوسي طيب الله روحه القدوسي في التجريد: ولا قديم سوى الله تعالى (3). وقال فيه: وجود العالم بعد عدمه ينفي الايجاب. وقال - ره -

(١) في بعض النسخ: أوجدناكم.
(٢) هذا كما ترى تصريح من السيد - ره - بان الصادر الأول أحدث من غير زمان فهو غير مسبوق بعد زماني، بل يمكن حدوث حوادث بعده أيضا من غير أن تحدث في زمان ولا ينفك عن تجرد الجميع أو الأول خاصة. وهذا مما يؤيد أن الحدوث الذي كان دائرا في السنة العلماء ووقع عليه الاجماع من أهل الملل ليس بمعنى وقوع العالم في جزء من الزمان ومسبوقيته بعدم زماني كما يدعيه جمهور المتكلمين بل لا يلزم منه كون جميع العالم زمانيا أيضا الا ان يراد به العالم الجسماني فتبصر وهذا المعنى هو الذي يستفاد من الروايات الشريفة لا سيما مما ورد في خلق نور النبي والأئمة عليهم السلام وقد مر شطر منها في هذا الكتاب فراجع، وسيأتي نقل المؤلف - ره - كلمات ثلة من أعاظم الأصحاب في هذا المعنى وارتضائه إياه فانتظر.
(٣) ينبغي لتحصيل مرامه من هذا الكلام النظر في ما افاده في معنى الحدوث والقدم فإليك نص ما ذكره في التجريد، قال: والموجودان اخذ غير مسبوق بالغير فقديم والا فحادث. ثم قال: والقدم والحدوث الحقيقيان لا يعتبر فيهما الزمان والا تسلسل. وقال: الحدوث الذاتي متحقق، ثم قال: ولا قديم سوى الله تعالى. هذا كلامه على اجمال ونقول: الحادث الزماني كما عرفت ما يكون مسبوقا بعدم زماني، واثبات الحدوث بهذا المعنى للعالم مستلزم للتسلسل كما أشار إليه، إذ من جملة العالم نفس الزمان وحدوثه بهذا المعنى يحتاج إلى زمان آخر وهكذا إلى غير النهاية. فالتزم جمهور المتكلمين تصحيحا لذلك ولما قالوا في القديم انه مقارن لزمان غيره متناء بان الزمان أمر منتزع من ذات البارئ سبحانه. وهذا مضافا إلى عدم صحته في نفسه لا يدفع الاشكال، اما فساده في نفسه فلأنهم ان أرادوا بكون الزمان منتزعا من ذات البارئ سبحانه انه موجود حقيقي ممكن ومع ذلك ينتزع من الباري تعالى فهو واضح السخافة على أنه غير مسبوق بعدم زماني، وان أرادوا به انه أمر موهوم كما صرح به بعضهم ففيه انه يستلزم إلغاء كل تقديم وتأخر زماني من رأس، وعدم فرق بين الحوادث الماضية والآتية وهو سفسطة ظاهرة واما عدم دفعه للاشكال فلان العدم الزماني إنما يتصور في ما شأنه الوقوع في ظرف الزمان وإذا فرض نفس الزمان كذلك يجب فرض زمان آخر يقع هذا الزمان في بعض اجزاء ذلك وهكذا فيبقى محذور التسلسل بحاله سواء قلنا بان الزمان أمر منتزع أولم نقل. ولذا ألغى المحقق الطوسي قدم سره القدوسي اعتبار الزمان في الحدوث والقدم مستدلا باستلزامه التسلسل فان أراد عدم اعتباره في مفهومهما لشمولهما للذاتي والدهري أيضا كان معناه عدم انحصارهما في الزماني حتى يلزم التسلسل على القول بحدوث نفس الزمان، وان أراد عدم اعتباره في الزمانيين كان ذلك اعتراضا عما التزم به المتكلمون في القديم من مقارنته للزمان الغير المتناهى وفي الحادث من مسبوقيته بزمان خال عن وجوده، وكان حاصله انه يكفي في القديم الزماني كونه خارجا عن ظرف الزمان ويجوز في الحادث الزماني كونه غير مسبوق بزمان بشرط أن يكون زمانا أو زمانيا.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه ليس المراد بقوله (لا قديم سوى الله تعالى) انه تعالى مقارن لزمان غير متناه من جهة البدء وما سواه مقارن لزمان متناه بدءا وهذا ظاهر مما ذكرنا فالمراد به اما انحصار القدم الذاتي بالبارئ سبحانه وهو ضروري: أو نفى القدم المرادف للسرمدية عن غيره وهو ملازم لاثبات الحدوث الدهري لما سوى الله تعالى. واما نفى القدم بمعنى الخروج عن ظرف الزمان عن غيره سبحانه وهو ملازم لاثبات الحدوث الزماني بالمعنى الأخير للعالم، لكنه لا يتم الا مع انكار الجواهر المجردة أو الحاق العالم العقلي بالصقع الربوبي كما فعله صدر المتألهين رحمة الله عليه.
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * أبواب * * كليات أحوال العالم وما يتعلق بالسماويات * * الباب الأول * حدوث العالم وبدء خلقه وكيفيته وبعض كليات الأمور 2
3 تفسير الآيات، وبحث وتحقيق حول: " خلق السماوات والأرض في ستة أيام " 6
4 تحقيق في خلق الأرض قبل السماء، أم السماء قبلها 22
5 معنى الحدوث والقدم 31(ه‍)
6 اخبار وخطب في التوحيد 32
7 فيما قاله الرضا عليه السلام لعمران الصابي، وفيه بيان 47
8 الدليل على حدوث الأجسام 62
9 في أن أول ما خلقه الله النور 73
10 في خلق الأشياء 77
11 تفسير قوله تعالى: " وكان عرشه على الماء " 95
12 في إماتة الخلق 104
13 الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين (ع) في التوحيد وخلق الأشياء، وفيها بيان 106
14 الخطبة التي خطبها علي عليه السلام، ويذكر فيه ابتداء خلق السماوات... 176
15 في خلق الأشياء من الأنوار الخمسة الطيبة عليهم السلام 192
16 في أن أول ما خلق الله تعالى نور حبيبه محمد صلى الله عليه وآله 198
17 في أن الله تعالى خلق أرض كربلا قبل أن يخلق أرض الكعبة، ودحي الأرض من تحتها 202
18 بيان في علة تخصيص الستة أيام بخلق العالم، وتحقيق حول: اليوم، والسنة القمرية والشمسية، ومعنى الأسبوع في خلق الله 216
19 في بيان معاني الحدوث والقدم 234
20 في تحقيق الأقوال في ذلك 238
21 في كيفية الاستدلال بما تقدم من النصوص 254
22 الدلائل العقلية، وبطلان التسلسل 260
23 في دفع بعض شبه الفلاسفة الدائرة على ألسنة المنافقين والمشككين 278
24 بحث وتحقيق في أول المخلوقات 306
25 بحث وتحقيق ورفع اشكال عن آيات سورة السجدة... 309
26 * الباب الثاني * العوالم ومن كان في الأرض قبل خلق آدم عليه السلام ومن يكون فيها... 316
27 معنى قوله تعالى: " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق " والأقوال في هذه الأمة 316
28 في عدد مخلوقات الله تعالى 318
29 في الجن والنسناس 323
30 جابلقا وجابرسا، وقول الصادق عليه السلام: من وراء شمسكم أربعين شمس 329
31 فيما سئله موسى عليه السلام عن بدء الدنيا 331
32 بحث وتحقيق رشيق حول اخبار العوالم وجابلقا وجابرسا، وفي الذيل ما يناسب المقام 349
33 بحث حول عالم المثال 354
34 العلة التي من أجلها سميت الدنيا دنيا والآخرة آخرة 355
35 * الباب الثالث * القلم، واللوح المحفوظ، والكتاب المبين، والامام المبين، وأم الكتاب 357
36 تفسير الآيات 358
37 في اللوح المحفوظ والقلم 362
38 في أن اللوح من درة بيضاء 376