وقال المحقق الدواني في أنموذجه: وقد خالف في الحدوث الفلاسفة أهل الملل الثلاث، فإن أهلها مجمعون على حدوثه بل لم يشذ من الحكم بحدوثه من أهل الملل مطلقا إلا بعض المجوس، وأما الفلاسفة فالمشهور أنهم مجمعون على قدمه على التفصيل الآتي، ونقل عن أفلاطون القول بحدوثه وقد أوله بعضهم بالحدوث الذاتي. ثم قال: فنقول: ذهب أهل الملل الثلاث إلى أن العالم ما سوى الله تعالى وصفاته من الجواهر والاعراض حادث أي كائن بعد أن لم يكن بعدية حقيقة لا بالذات فقط، بمعنى أنها في حد ذاتها لا يستحق الوجود فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات كما تقوله الفلاسفة. ويسمونه الحدوث الذاتي، على ما في تقرير هذا الحدوث على وجه يظهر به تأخر الوجود عن العدم من بحث دقيق أوردناه في حاشية شرح التجريد. وذهب جمهور الفلاسفة إلى أن العقول والاجرام الفلكية ونفوسها قديمة، ومطلق حركاتها وأوضاعها وتخيلاتها أيضا قديمة، فإنها لم تخل قط عن حركة ووضع وتخيل لجزئيات الحركة، وبعضهم يثبتون لها بسبب استخراج الأوضاع الممكنة من القوة إلى الفعل وحدوث مناسبة لها بمبدئها الكامل من جميع الوجوه كمالات تفيض على نفوسها من المبادئ، لكن محققيهم على ما ذكره أبو نصر وأبو علي في تعليقاتهما نقلا عن أرسطاطاليس ذهبوا إلى أن المطلوب لها نفس الحركة، وبها يتم التشبه بمبادئها، فإنها بالفعل من حيث الذات وسائر الصفات إلا ما يتعلق بالحركة من الأوضاع الجزئية، فإنها لا تحتمل الثبات بالشخص، فاستحفظ نوعها تتميما للتشبه بالمبادئ التي هي بالفعل من جميع الوجوه، ولما كان التشبه لازما للحركة جعلها الغاية المطلوبة باعتبار اللازم.
(٢٥٢)