والعنصريات بموادها ومطلق صورها الجسمية والنوعية ومطلق أعراضها قديمة عندهم، لان مذهبهم أنه بالفك تنعدم الصورة الواحدة وتحدث الاثنتان، وباتصال المنفصل تنعدم الاثنتان وتحدث واحدة، نعم الاشراقيون منهم على بقاء الصورة الجسمية مع طريان الانفصال والاتصال، وأما النفوس الناطقة الانسانية فبعضهم قائل بقدمها، وربما ينقل عن أفلاطون، وهذا مخالف لما ينقل عنه من حدوث العالم والمشاؤون منهم ومعظم من عداهم على حدوثها.
وقال نحوا من ذلك في كتاب شرح العقائد العضدية، وقال فيه: المتبادر من الحدوث الوجود بعد أن لم يكن بعدية زمانية، والحدوث الذاتي مجرد اصطلاح من الفلاسفة. وقال: والمخالف في هذا الحكم الفلاسفة، فإن أرسطاطاليس وأتباعه ذهبوا إلى قدم العقول والنفوس الفلكية والأجسام الفلكية بموادها وصورها الجسمية والنوعية وأشكالها وأضوائها، والعنصريات بموادها، ومطلق صورها الجسمية لا أشخاصها، وصورها النوعية قيل بجنسها فإن صور خصوصيات أنواعها لا يجب أن تكون قديمة، والظاهر من كلامهم قدمها بأنواعها. ثم قال:
ونقل عن جالينوس التوقف، ولذلك لم يعد من الفلاسفة لتوقفه فيما هو من أصول الحكمة عندهم (انتهى).
ولنكتف بما أوردنا من كلام القول في ذلك، وإيراد جميعها أو أكثرها يوجب تطويلا بلا طائل، ويستنبط مما أوردنا أحد الدلائل على الحدوث، فإنه ثبت بنقل المخالف والمؤالف اتفاق جميع أرباب الملل مع تباين أهوائهم وتضاد آرائهم على هذا الامر، وكلهم يدعون وصول ذلك عن صاحب الشرع إليهم، وهذا مما يورث العلم العادي بكون ذلك صادرا عن صاحب الشريعة، مأخوذا عنه، وليس هذا مثل سائر الاجماعات المنقولة التي لا يعلم المراد منها، وتنتهي إلى واحد وتبعه الآخرون ولا يخفى الفرق بينهما على ذي مسكة من العقل والانصاف.