الصلاة إلا به فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا تتم الصلاة إلا لذي طهر سابغ، وتمام بالغ، غير نازغ، ولا زائغ، عرف فوقف، وأخبت فثبت فهو واقف بين اليأس والطمع والصبر والجزع، كأن الوعد له صنع، والوعيد به وقع، بذل عرضه، وتمثل غرضه، وبذل في الله المهجة، وتنكب إليه غير المحجة مرتغم بارتغام، يقطع علائق الاهتمام بعين من له قصد، وإليه وفد، ومنه استرفد، فإذا أتى بذلك كانت هي الصلاة التي بها امر، وعنها أخبر، وإنها هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
فالتفت المنصور إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال له: يا أبا عبد الله لانزال من بحرك نغترف وإليك نزدلف، تبصر من العمى، وتجلوا بنورك الطخياء، فنحن نعوم في سبحات قدسك وطامي بحرك (1).
بيان: النزع: الطعن، والاغتياب، والافساد، والوسوسة، والزيغ: الميل والطخياء: الظلمة، وطمى الماء علا.
34 - تنبيه الخاطر: قيل للمنصور: في حبسك محمد بن مروان فلو أمرت باحضاره وسألته عما جرى بينه وبين ملك النوبة (2) فقال: صرت إلى جزيرة النوبة في آخر أمرنا فأمرت بالمضارب فضربت، فخرج النوب يتعجبون، وأقبل ملكهم، رجل طويل أصلع حاف عليه كساء، فسلم وجلس على الأرض فقلت: ما لك لا تقعد على البساط قال: أنا ملك، وحق لمن رفعه الله أن يتواضع له إذا رفعه، ثم قال: ما بالكم تطأون الزرع بدوابكم، والفساد محرم عليكم في كتابكم؟! فقلت: عبيدنا فعلوه بجهلهم، قال: فما بالكم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في دينكم؟ قلت:
أشياعنا فعلوه بجهلهم.