فقال: والله يا أمير المؤمنين ما فعلت، ولا أستحل ذلك، ولا هو من مذهبي، وإني لمن يعتقد طاعتك على كل حال، وقد بلغت من السن ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته فصيرني في بعض جيوشك، حتى يأتيني الموت فهو مني قريب، فقال: لا ولا كرامة ثم أطرق وضرب يده إلى السيف، فسل منه مقدار شبر، وأخذ بمقبضه، فقلت:
إنا لله ذهب والله الرجل، ثم رد السيف، وقال: يا جعفر أما تستحي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب أن تنطق بالباطل، وتشق عصا المسلمين؟ تريد أن تريق الدماء، وتطرح الفتنة بين الرعية، والأولياء، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما فعلت، ولا هذه كتبي ولا خطي، ولا خاتمي، فانتضى من السيف ذراعا فقلت: إنا لله مضى الرجل، وجعلت في نفسي إن أمرني فيه بأمر أن أعصيه، لأنني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفرا، فقلت: إن أمرني ضربت المنصور، وإن أتى ذلك علي وعلى ولدي، وتبت إلى الله عز وجل مما كنت نويت فيه أولا فأقبل يعاتبه وجعفر يعتذر، ثم انتضى السيف إلا شيئا يسيرا منه فقلت: إنا لله مضى والله الرجل، ثم أغمد السيف وأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: أظنك صادقا يا ربيع هات العيبة (1) من موضع كانت فيه في القبة، فأتيته بها فقال: أدخل يدك فيها، فكانت مملوة غالية، وضعها في لحيته وكانت بيضاء فاسودت، وقال لي:
أحمله على فاره (2) من دوابي التي أركبها، وأعطه عشرة آلاف درهم، وشيعه إلى منزله مكرما، وخيره إذا أتيت به إلى المنزل بين المقام عندنا فنكرمه والانصراف إلى مدينة جده رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجنا من عنده وأنا مسرور فرح بسلامة جعفر عليه السلام ومتعجب مما أراد المنصور، وما صار إليه من أمره، فلما صرنا في الصحن قلت له: يا ابن رسول الله إني لأعجب مما عمد إليه هذا في بابك، وما أصارك الله إليه من كفايته ودفاعه، ولا عجب من أمر الله عز وجل، وقد سمعتك تدعو في عقيب الركعتين بدعاء لم أدر ما هو، إلا أنه طويل، ورأيتك قد حركت