الثمالي قال: حدثني من حضر عبد الملك بن مروان وهو يخطب الناس بمكة فلما صار إلى موضع العظة من خطبته، قام إليه رجل فقال له: مهلا مهلا إنكم تأمرون ولا تأتمرون، وتنهون ولا تنتهون، وتعظون ولا تتعظون، أفاقتداء بسيرتكم أم طاعة لأمركم؟ فان قلتم اقتداء بسيرتنا فكيف يقتدى بسيرة الظالمين وما الحجة في اتباع المجرمين الذين اتخذوا مال الله دولا، وجعلوا عباد الله خولا وإن قلتم أطيعوا أمرنا واقبلوا نصحنا فكيف ينصح غيره من لم ينصح نفسه؟ أم كيف تجب طاعة من لم تثبت له عدالة؟ وإن قلتم خذوا الحكمة من حيث وجدتموها، واقبلوا العظة ممن سمعتموها، فلعل فينا من هو أفصح بصنوف العظات وأعرف بوجوه اللغات منكم، فتزحزحوا عنها وأطلقوا أقفالها وخلوا سبيلها، ينتدب لها الذين شردتم في البلاد، ونقلتموهم عن مستقرهم إلى كل واد، فوالله ما قلدناكم أزمة أمورنا، وحكمناكم في أموالنا وأبداننا وأدياننا، لتسيروا فينا بسيرة الجبارين، غير أنا بصراء بأنفسنا لاستيفاء المدة وبلوغ الغاية وتمام المحنة، ولكل قائم منكم يوم لا يعدوه، وكتاب لابد أن يتلوه، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، قال: فقام إليه بعض أصحاب المسالح، فقبض عليه، وكان آخر عهدنا به، ولا ندري ما كانت حاله (1).
بيان: الدول جمع الدولة بالضم وهو ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم، وقوله خولا أي خدما وعبيدا، وانتدب له أجابه.
25 - الاختصاص: محمد بن أحمد الكوفي الخزاز، عن أحمد بن محمد بن سعد الكوفي، عن ابن فضال، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي مسروق النهدي، عن مالك ابن عطية، عن أبي حمزة قال: دخل سعد بن عبد الملك - وكان أبو جعفر عليه السلام يسميه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان - على أبي جعفر عليه السلام فبينا ينشج كما تنشج النساء قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: ما يبكيك يا سعد؟ قال: وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن، فقال له: لست منهم أنت أموي