الدور والمساكن، وهلك الناس ورأيتهم بحال رحمتهم، فقال عليه السلام: لا رحمهم الله أما إنه قد أبقيت عليك بقية، ولولا ذلك لم ترحم أعداءنا وأعداء أوليائنا، ثم قال: سحقا سحقا وبعدا للقوم الظالمين، والله لولا مخافة مخالفة والذي لزدت في التحريك وأهلكتهم أجمعين، وجعلت أعلاها أسفلها، فكان لا يبقى فيها دار ولا جدار، فما أنزلونا وأولياءنا من أعدائنا هذه المنزلة غيرهم، ولكني أمرني مولاي أن أحرك تحريكا ساكنا، ثم صعد عليه السلام المنارة وأنا أراه والناس لا يرونه فمد يده وأدارها حول المنارة، فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة وتهدمت دور، ثم تلا الباقر صلوات الله عليه " ذلك جزيناهم ببغيهم وهل نجازي إلا الكفور " (1) وتلا أيضا " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها " (2) وتلا " فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " (3).
قال جابر: فخرجت العواتق من خدورهن في الزلزلة الثانية يبكين و يتضرعن منكشفات لا يلتفت إليهن أحد، فلما نظر الباقر عليه السلام إلى تحير العواتق رق لهن، فوضع الخيط في كمه وسكنت الزلزلة، ثم نزل عن المنارة والناس لا يرونه، وأخذ بيدي حتى خرجنا من المسجد، فمررنا بحداد اجتمع الناس بباب حانوته والحداد يقول: أما سمعتم الهمهمة في الهدم؟ فقال بعضهم: بل كانت همهمة كثيرة، وقال قوم آخرون: بل والله كلام كثير إلا أنا لم نقف على الكلام.
قال جابر رضوان الله عليه: فنظر إلي الباقر وتبسم، ثم قال: يا جابر هذا لما طغوا وبغوا، فقلت: يا ابن رسول الله ما هذا الخيط الذي فيه العجب؟ فقال:
" بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة "، ونزل به جبرئيل عليه السلام ويحك يا جابر إنا من الله تعالى بمكان ومنزلة رفيعة، فلو لا نحن لم يخلق الله تعالى سماء ولا أرضا ولا جنة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا جنا ولا إنسا، ويحك يا جابر