وإن كان فيها ما لا يعرف وجهه على التفصيل، أو كان له ظاهر ربما نفرت النفس عنه وقد مضى تلخيص هذه الجملة وتقريرها في مواضع من كتابنا هذا.
وبعد فان الذي جرى منه عليه السلام كان السبب فيه ظاهرا، والحامل عليه بينا جليا، لأن المجتمعين له من الأصحاب وإن كانوا كثيري العدد، فقد كانت قلوب أكثرهم نغلة غير صافية، وقد كانوا صبوا إلى دنيا معاوية، من غير مراقبة ولا مساترة، فأظهروا له عليه السلام النصرة، وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه، فأحس بهذا منهم قبل التولج والتلبس، فتخلى من الأمر، وتحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت.
وقد صرح بهذه الجملة، وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة، وبألفاظ مختلفة، وقال عليه السلام: إنما هادنت حقنا للدماء، وضنا بها، وإشفاقا على نفسي وأهلي، والمخلصين من أصحابي، فكيف لا يخاف أصحابه ويتهمهم على نفسه وأهله.
وهو عليه السلام لما كتب إلى معاوية، يعلمه أن الناس قد بايعوه بعد أبيه عليه السلام ويدعوه إلى طاعته فأجابه معاوية بالجواب المعروف المتضمن للمغالطة منه والموارية وقال له فيه: لو كنت أعلم أنك أقوم بالأمر، وأضبط للناس، وأكيد للعدو وأقوى على جميع الأمور مني، لبايعتك، لأنني أراك لكل خير أهلا، وقال في كتابه: إن أمري وأمرك شبيه بأمر أبي بكر وأمركم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
فدعاه ذلك إلى أن خطب أصحابه بالكوفة يحضهم على الجهاد ويعرفهم فضله وما في الصبر عليه من الأجر، وأمرهم أن يخرجوا إلى معسكرهم، فما أجابه أحد، فقال لهم عدي بن حاتم: سبحان الله ألا تجيبون إمامكم أين خطباء المصر فقام قيس بن سعد وفلان وفلان فبذلوا الجهاد وأحسنوا القول ونحن نعلم أن من يضن بكلامه أولى أن يضن بفعاله.
أو ليس أحدهم جلس له في مظلم ساباط، وطعنه بمغول كان معه أصاب فخذه وشقه حتى وصل إلى العظم، وانتزع من يده، وحمل عليه السلام إلى المدائن، وعليها سعد بن مسعود عم المختار، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولاه إياها فادخل